توقيت القاهرة المحلي 11:49:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تكتيكات جازف بها عرفات

  مصر اليوم -

تكتيكات جازف بها عرفات

بقلم: بكر عويضة

كان الأدق، أن أختم مقال «أبو عمار... أبو التكتيك»، المنشور في «الشرق الأوسط» الأربعاء الماضي، بالسؤال التالي: هل أن كل تكتيك أقدم عليه أبو عمار حقق الهدف المُتوخى منه؟ موجب طرح السؤال يتمثل في تجنّب شبهة تنزيه الرجل عن الوقوع في أخطاء أدى إليها أكثر من تكتيك أوقع ياسر عرفات نفسه، والثورة الفلسطينية ككل، في مآزق عدة كانت، وكان هو أيضاً، في غنى عنها، ثم إن فشل التكتيكات، أوصل في حالات محددة إلى دفع ثمن فادح أثر سلباً على مصالح أغلبية الفلسطينيين، سواء في الشتات أو في الأرض المحتلة. ثمة مثل دارج بين الناس في مختلف مدن وقرى فلسطين ومدن وأرياف عربية أخرى يقول مضمونه إن «الجرة ما بتسلم كل مَرّة». الأرجح وجود مرادف للمثل ذاته في المجتمعات العربية، لأنه تحذير من مغبة تكرار أخطاء حسابات الأمس، أو الحاضر، حتى لا تنتهي إلى خطايا كارثية تعاني تأثيراتها أجيال الزمن المقبل.
مفهوم أن اعتماد تكتيك محدد في مواجهة وضع معقد، أمر يقدم عليه أي قائد، من منطلق الإقدام على مغامرة، قد يُكتب لها النجاح، وقد يكون مآلها الإخفاق. حدث هذا، وسوف يحدث دائماً، ما دام أن هناك حركة مد وجزر في مسيرات الشعوب، وبالتالي من المشروع للزعيم السياسي أن يجتهد في البحث عن الجيد من أساليب التحرك وفق ما تملي متطلبات كل مرحلة. بيد أن الفارق قائم كذلك بين مغامرة يُمكن تحمّل ثمن فشلها، واحتواء ما يترتب عليها من سلبيات، وبين الاندفاع في اتخاذ موقف خطير من المحتمل أن ينسف كل ما سبق إنجازه عبر مراحل وسنوات من الجهد المضني والشاق. في الوضع الثاني يجازف القيادي بإرث وطني ليس له حق المجازفة به، فهو مِلك شعبه أولاً، وهو تراث أسهم في تحقيقه كثيرون غيره. من جهته، أقدم أبو عمار على هكذا تكتيك غير مرة، وفي كل تلك المرات «لم تسلم الجرات».
أولى حالات التكتيك الكارثية أتت مع بدايات سطوع نجم المقاومة الفلسطينية، رداً على كارثة هزيمة يونيو (حزيران) 1967. كان ذلك في الأردن. وكان واجب ياسر عرفات، وقد تجاوز نطاق زعامته حركة «فتح»، بعدما بات يُنظر إليه، على امتداد الأرض العربية، كرمز لرفض الهزيمة، خصوصاً بين أجيال الشباب، سواء من مجايليه، أو الأصغر منه عمراً، بقليل، أو الأكبر ببضع سنوات، كان الواجب يفرض عليه، آنذاك، أن يبقى كما القابض على الجمر، متمسكاً بمبدأ «فتح» الشهير، والصحيح تماماً، القائل بعدم تدخل الحركة في الشؤون الداخلية للدول العربية. عِوض ذلك، انساق أبو عمار وراء تيارات اليسار الفلسطيني، وراح يجاري شعارات تنادي باعتبار العاصمة الأردنية «هانوي الثورة». أقول إن تصرف عرفات ذاك كان نوعاً من التكتيك، لأن الرجل لم يكن يوماً من أنصار أي «وطن بديل»، ولولا أنه غض النظر عن تجاوزات فصائل اليسار الفلسطينية، وعناصر من «فتح» أيضاً، لربما كان في الإمكان تجنب مآسي 1970 في الأردن.
لكن التكتيك الكارثي ذاته سوف يتكرر في لبنان بعدما حل فيه أبو عمار. هل كان ضرورياً أن يتوغل المقاوِم الفلسطيني الضيف على اللبنانيين، في كل تعقيدات الأطياف السياسية للجسم اللبناني؟ كلا، بالتأكيد. هناك من يرى أن فصائل اليسار اللبناني فرضت ذلك على الطرف الفلسطيني. مبرر ضعيف. كان الأجدر أن تبقى كل الأطراف الفلسطينية، بزعامة «فتح» أولاً، وبقيادة عرفات، تحديداً، بمنأى عن كل تشابكات الحالة اللبنانية، التي بدل أن يتوقف خطأ التكتيك العرفاتي عندها، انتقل إلى حالة التصادم مع مجتمعات دول الخليج العربي كافة، حين فاجأ ياسر عرفات الكل بالوقوف إلى جانب صدام حسين في غزوه الكويت. على الأرجح، تلك كانت كارثة التكتيكات العرفاتية، وشكلت درجة من الخروج الصاعق عن مبدأ «فتح» بعدم التدخل في الخلافات العربية. سوف يصعق أبو عمار الكل أيضاً بتكتيك آخر تمثل في الذهاب إلى النرويج والتوصل إلى اتفاق أوسلو، بالتفاف صارخ على الوفد الفلسطيني برئاسة الدكتور حيدر عبد الشافي. نعم، التاريخ يوثق أن عرفات تكتك كثيراً، إنما يسجل أيضاً أن ثمة تكتيكات كارثية عدة جازف بها أبو عمار، ولم ينجُ هو نفسه من تأثيراتها المدمرة. لكن يبقى القول كذلك إن ياسر عرفات ليس فريد عصره في هذا الأمر، بل هو واحد بين نظراء كثيرين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تكتيكات جازف بها عرفات تكتيكات جازف بها عرفات



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 10:20 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
  مصر اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 09:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم 3 نصائح لاختيار العباية في فصل الشتاء

GMT 02:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"الزراعة" تؤكد البلاد على وشك الاكتفاء الذاتي من الدواجن

GMT 13:41 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو جديد لـ"طفل المرور" يسخر من رجل شرطة آخر

GMT 02:57 2020 الإثنين ,06 إبريل / نيسان

رامى جمال يوجه رسالة لـ 2020

GMT 02:40 2020 السبت ,22 شباط / فبراير

المغني المصري رامي جمال يحرج زوجته على الملأ
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon