توقيت القاهرة المحلي 01:32:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عدوك داخل بيتك

  مصر اليوم -

عدوك داخل بيتك

بقلم: بكر عويضة

تقاطُر مئات المواطنين، منذ مساء نهار الجمعة الماضي، وحتى اليوم، إلى موقع طعن سير ديفيد أميس، النائب في مجلس العموم البريطاني، يستحضر من دفتر الذاكرة مضمون ما ذهب إليه قول شائع بين معظم الناس في مختلف المجتمعات، خلاصته أن الوفاء لن يذهب هباء، بل يبقى بعد رحيل من ارتبطت أسماؤهم وأسماؤهن به. سير أميس واحد من هؤلاء. بدا من الواضح للمتابع أن كل الذين توافدوا إلى مقر اللقاء الدوري بين السياسي المخضرم، والناخبين في دائرته، كانوا من بسطاء الناس، وأنهم مثلوا شرائح عدة من فئات المجتمع. رجال ونساء، شبان وشابات، مسِنون ومسنات، مراهقون ومراهقات، كلهم أتوا يحملون باقات ورود وأزهار كي يوسدونها الرصيف المقابل للمقر، حتى كادت الأكاليل تبدو كما جبل يرتفع أمام المكان. لو خطر لأحد أن يطرح التساؤل؛ لماذا كل هذا التقدير؟
فإن الجواب كان سيأتيه فوراً؛ لأن السياسي المحافظ كان وفياً لما آمن به من سياسات حملته إلى البرلمان في كل انتخابات خاضها منذ عام 1983، حتى حين كانت القيم والمبادئ تضعه في موضع تصادم مع حكومات حزبه، ولذا احتفظ ناخبوه، بل خصومه السياسيون أيضاً، له بمكانته المتميزة تلك بين غيره من ساسة بريطانيا.
سؤال أخطر الأغلب أنه تردد فور الكشف عن هوية القاتل؛ لماذا يُقدم شاب مسلم على قتل سير ديفيد أميس؟ ولا عجب إذا تضمن السؤال الاستغراب إزاء أن الشاب ابن الخامسة والعشرين، لم يزل في أول الطريق، وأن المستقبل المفتوح أمامه طويل، وعلى الأرجح كان سوف يحمل الخير له ولكل أسرته، وكذلك للبلد المضيف الذي آوى عائلته المهاجرة من دولة تعاني الفشل كما الصومال؟ تُرى، هل من إجابة تحمل المعنى الشافي من كل حيرة؟ كلا. ليس من شرح كاف لأن يبدد جوانب الحيرة كافة.
نعم، قيل من قبل، وسوف يقال دائماً، إن ما ساد من مفاهيم مناهج التطرف باسم الدين، وتغلغل كما السرطان في عقول المخدوعين، سوف يحتاج سنيناً طويلة كي يُجتث من جذوره، وحتى يتم ذلك يجب ألا يُستغرب وقوع حدث مثل طعن النائب أميس، أو حادث الإرهاب باستخدام القوس والسهم، الذي وقع قرب أوسلو، عاصمة النرويج، الأربعاء الماضي. نعم، ذلك قول صحيح، لكنه ليس كل القصة.
جانب مهم في القصة قليلاً ما يحظى بالقدر الذي يستحق من اهتمام. ذلك الجانب هو الذي أوحى بعنوان المقال، رغم أن نص المصدر الأساس أكثر وضوحاً، وأشد إيلاماً، إذ يزعق قائلاً إن عدوك قد يشاركك غرفة نومك، تماماً كما ورد في عنوان فيلم «Sleeping With The Enemy». صحيح أن جوهر السيناريو، فيما يخص الشريط الأميركي (1991) يتعامل مع حالة شخص، لكن إسقاط مواصفات وضع فرد ما على مجتمع بأكمله جائز إذا كان القصد هو محاولة فهم الحالة، والبحث عن سبل علاج تام منها. الشخصية الأساس في «النوم مع العدو» هي لرجل حقق من النجاح القدر المرموق في مجال الاستثمار، وأصبح بالتالي أحد كبار اللاعبين في أسواق المال، ولا غرو إذن إذا كانت زوجته حسناء ذات قدر من الجمال يلفت أنظار الرجال، فيكثرون القول إنه محظوظ بها. أيكون ذلك الإعجاب بزوجته هو تحديداً سر الغضب المكظوم داخله؟ كلا، الواقع الذي لم يتضح للزوجة نفسها إلا بعد أشهر من الزواج، يقول إن ذلك الرجل حاد الطبع، أساساً، متقلب المزاج، خصوصاً داخل البيت، وخارج العمل عموماً، يكفي أن يلحظ أي أمر تافه لا يروق له، كي ينفجر غاضباً، بل ويلحق أذى جسدياً بزوجته.
تلك الشخصية، التي تخدع غيرها حتى تصل مراميها، ثم تصبح العدو المقيم داخل البيت، عانى منها واقع أكثر من مجتمع في العالم ككل، وفي مختلف المراحل. الشاب الذي قتل النائب سير ديفيد أميس صار عدواً داخل بيت أسرته ذاتها، منذ بدأ يفهم دينه خطأً، وصولاً إلى ارتكاب جرم معاد أصلاً لقيم الدين ذاته. اليوم تمر عشرة أعوام على العشرين للشهر ذاته من عام 2011، يوم اكتشاف مخبأ معمر القذافي، ثم قتله بأسلوب بشع أمام الملأ. ذلك أيضاً رجل بدأ وديعاً يبشر بأمل، إلى أن كشف بنفسه عن الأصل في شخصيته؛ حدة الطبع، تقلب الأهواء، تقديس الذات، تحقير الآخرين... وبقية القصة يعرفها الجميع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عدوك داخل بيتك عدوك داخل بيتك



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon