توقيت القاهرة المحلي 06:22:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عداء ذكوري قديم للنساء

  مصر اليوم -

عداء ذكوري قديم للنساء

بقلم - بكر عويضة

من ضفاف الأطلسي الأميركية، إلى بلاد الشرق القديم، التي تُعطى في معظم أمهات الكتب، وفي سجلات التوثيق التاريخي، وصف «مهد الحضارات»، وتحمل اسم «أرض الديانات»، انشغل ملايين الناس خلال الأسبوع الماضي بثلاث وقائع تتعلق تحديداً بأوضاع المرأة، إنما من منطلقات مختلفة. ففي الولايات المتحدة، صُعِق المهتمون بتعزيز حقوق النساء في كل المجالات، والمنتمون إلى مختلف التيارات والأطياف، بقرار محكمة نيويورك العليا إلغاء قانون صادر منذ العام 1973 يعطي نساء أميركا عموماً حق الإقدام على الإجهاض، إذا اخترن ذلك، وبالتالي تخويل الولايات، بشكل انفرادي، الحق في اتخاذ القرار المناسب في هذا الشأن. حدث غير عادي، بكل تأكيد. أما الشرق العربي، فصُدم بارتكاب طالبين جريمتي قتل زميلتين لهما في عز النهار، وضمن رحاب الحرم الجامعي. اهتز لوقع الجريمتين المجتمعان الأردني والمصري، ومعهما قطاعات عدة بكل المجتمعات العربية، ثم إن الحدث أثار، داخل البلدين وخارجهما، تساؤلات تدور في معظمها حول الدوافع، وعما إذا كانت هناك مؤشرات تحذر من احتمال وقوع هكذا جريمة تروّع الناس، إنما لم يُلتفت إليها بشكل جدّي.
مبدئياً، مفهوم تماماً أن تثير جريمتا قتل الطالبة المصرية، ثم بعدها بأيام الطالبة الأردنية، ذلك النوع من الفزع، إنما من الجائز أيضاً التساؤل؛ لِماذا بدا رد الفعل على الواقعتين وكأن الأمر لم يقع من قبل بتاتاً؟ الواقع، أنه ليس في مصر والأردن وحدهما، بل في كل المجتمعات، وليس حصراً في ديار العرب والمسلمين وحدهم، تواجه النساء خطر ارتفاع معدلات جرائم القتل ضدهن، وفي حالات كثيرة، خصوصاً في الدول النامية، وتحديداً في المناطق النائية، وبتحديد أكثر في أرياف تلك الدول، كثيراً ما تُقتل المرأة وتدفن، بلا حس ولا خبر، أما التعليل الأكثر شيوعاً، في هذا السياق، فهو ادعاء «غسل العار» المزعوم، الذي يُمارس أحياناً قبل التأكد من وقوع «عار» في الأساس، أساء إلى أهل المغدور بها. هذا جُرم يقع في حالات عدة على مسمع أوساط أجهزة أمن، ومرأى رجال قانون، فلا يبدون كثير اهتمام، فقط يكتفون بإبداء أسف ما، ولعلهم يواسون ذوي الضحية لما سببته لهم هي من إساءة للشرف العائلي. منطق أعرج، ومعكوس، كما ترون، لكنه انعكاس لنهج قائم منذ قديم القرون، إنه نهج عداء ذكوري متأصل في النفوس ضد النساء لأنهن - وفق ذلك التفكير السقيم - المخلوق الأضعف، ليس في بنيتهن الجسمانية فحسب، بل لجهة كفاءتهن عموماً.
سوف يُقال، رداً على ما سبق، ما خلاصته أن مجتمعات العالم، باختلاف الثقافات والعقائد، تجاوزت هكذا مفاهيم ولم يبق منها الكثير الذي يشكل من الخطر ما يجب أن يثير القلق. نعم، وكلا. صحيح أن أغلب المجتمعات على امتداد الكوكب مشت إلى الأمام، ووضعت وراءها عادات وتقاليد كثيرة كانت تعيق إسهام المرأة في تقدم بلادها. إنما، كلا، لم يجرِ بعد تنظيف الرؤوس تماماً من فكر ذكوري يعشش تحت مسام الجلد، ويعيش حالة إنكار ذهني دائم - «State Of Denial» - يأبى تقبّل حقيقة أن أي امرأة ذات كفاءة، يمكنها إثبات أنها تملك زمام المبادرة، وأن بوسعها التحليق بنجاح لافت للأنظار في فضاءات تخصصها. تكراراً، هكذا تفكير ليس حكراً على أقطار بعينها، ولا يخص ثقافة دون غيرها. كلا، من ينظر جيداً، ويتفحص بعمق مسيرة التقدم النسوي عالمياً، يستطيع أن يلمس وجود ظاهرة قِدم العَداء لتقدم النساء، بلا كثير عناء. ألا تذكرون «المرأة الحديدية»؟
بالطبع تذكرونها. الواقع المُوّثق يقول إن مارغريت ثاتشر، ابنة البقال البسيط، اكتسبت تلك الصفة عن حق وجدارة بعدما خاضت معاركها بإرادة صلبة، أولاً ضد أوساط رجال حزب «المحافظين» الكبار، الذين استكبروا أن تكون زعيمتهم امرأة، ثم تالياً في كل المعارك السياسية التي خاضتها داخل بريطانيا وخارجها. السيدة ثاتشر مثال حي، من ثمانينات القرن الماضي، لكن الظاهرة أقدم من ذلك بقرون. في الفيلم الرائع «The Devil Wears Prada» تثبت القديرة ميريل ستريب أن بوسع امرأة ذات موهبة أن تغير الواقع المتكلس، وأن تقدم المزيد من النجوم التي تتألق حولها. انتصار مهم على عقدة التفوق الذكوري. قرار محكمة نيويورك العليا الأخير تراجع مؤلم ينتكس بحق النساء في حرية الاختيار سنين إلى الوراء. لكن لا شيء يتوقف عند نقطة على سطر. كلا، الحياة تمضي باستمرار.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عداء ذكوري قديم للنساء عداء ذكوري قديم للنساء



GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

GMT 22:47 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حرب القرن

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:01 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024
  مصر اليوم - ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام
  مصر اليوم - البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 09:49 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
  مصر اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 08:38 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

تطوير مادة موجودة في لعاب السحالي للكشف عن أورام البنكرياس
  مصر اليوم - تطوير مادة موجودة في لعاب السحالي للكشف عن أورام البنكرياس

GMT 22:40 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

روبي و نيللي كريم معًا في رمضان 2025 بـ«ناقص ضلع»
  مصر اليوم - روبي و نيللي كريم معًا في رمضان 2025 بـ«ناقص ضلع»

GMT 20:41 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الفيشاوي ينفي تغيير كلمات أغنية "نمبر 2"

GMT 18:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة جونيور أجاي فى نهاية تمرين الأهلي وفحص طبي غدًا

GMT 06:30 2020 الإثنين ,26 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الدواجن في مصر اليوم الإثنين 26تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 06:09 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

محمد هنيدي يكشف حقيقة سخريته من الراقصة البرازيلية لورديانا

GMT 17:50 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

أهم وأبرز إهتمامات الصحف الليبية الصادرة الثلاثاء

GMT 05:52 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

محمد حماقي ينعى الشيخ صالح كامل

GMT 23:14 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

أسعار الحديد في مصر اليوم السبت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon