توقيت القاهرة المحلي 01:32:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عداء ذكوري قديم للنساء

  مصر اليوم -

عداء ذكوري قديم للنساء

بقلم - بكر عويضة

من ضفاف الأطلسي الأميركية، إلى بلاد الشرق القديم، التي تُعطى في معظم أمهات الكتب، وفي سجلات التوثيق التاريخي، وصف «مهد الحضارات»، وتحمل اسم «أرض الديانات»، انشغل ملايين الناس خلال الأسبوع الماضي بثلاث وقائع تتعلق تحديداً بأوضاع المرأة، إنما من منطلقات مختلفة. ففي الولايات المتحدة، صُعِق المهتمون بتعزيز حقوق النساء في كل المجالات، والمنتمون إلى مختلف التيارات والأطياف، بقرار محكمة نيويورك العليا إلغاء قانون صادر منذ العام 1973 يعطي نساء أميركا عموماً حق الإقدام على الإجهاض، إذا اخترن ذلك، وبالتالي تخويل الولايات، بشكل انفرادي، الحق في اتخاذ القرار المناسب في هذا الشأن. حدث غير عادي، بكل تأكيد. أما الشرق العربي، فصُدم بارتكاب طالبين جريمتي قتل زميلتين لهما في عز النهار، وضمن رحاب الحرم الجامعي. اهتز لوقع الجريمتين المجتمعان الأردني والمصري، ومعهما قطاعات عدة بكل المجتمعات العربية، ثم إن الحدث أثار، داخل البلدين وخارجهما، تساؤلات تدور في معظمها حول الدوافع، وعما إذا كانت هناك مؤشرات تحذر من احتمال وقوع هكذا جريمة تروّع الناس، إنما لم يُلتفت إليها بشكل جدّي.
مبدئياً، مفهوم تماماً أن تثير جريمتا قتل الطالبة المصرية، ثم بعدها بأيام الطالبة الأردنية، ذلك النوع من الفزع، إنما من الجائز أيضاً التساؤل؛ لِماذا بدا رد الفعل على الواقعتين وكأن الأمر لم يقع من قبل بتاتاً؟ الواقع، أنه ليس في مصر والأردن وحدهما، بل في كل المجتمعات، وليس حصراً في ديار العرب والمسلمين وحدهم، تواجه النساء خطر ارتفاع معدلات جرائم القتل ضدهن، وفي حالات كثيرة، خصوصاً في الدول النامية، وتحديداً في المناطق النائية، وبتحديد أكثر في أرياف تلك الدول، كثيراً ما تُقتل المرأة وتدفن، بلا حس ولا خبر، أما التعليل الأكثر شيوعاً، في هذا السياق، فهو ادعاء «غسل العار» المزعوم، الذي يُمارس أحياناً قبل التأكد من وقوع «عار» في الأساس، أساء إلى أهل المغدور بها. هذا جُرم يقع في حالات عدة على مسمع أوساط أجهزة أمن، ومرأى رجال قانون، فلا يبدون كثير اهتمام، فقط يكتفون بإبداء أسف ما، ولعلهم يواسون ذوي الضحية لما سببته لهم هي من إساءة للشرف العائلي. منطق أعرج، ومعكوس، كما ترون، لكنه انعكاس لنهج قائم منذ قديم القرون، إنه نهج عداء ذكوري متأصل في النفوس ضد النساء لأنهن - وفق ذلك التفكير السقيم - المخلوق الأضعف، ليس في بنيتهن الجسمانية فحسب، بل لجهة كفاءتهن عموماً.
سوف يُقال، رداً على ما سبق، ما خلاصته أن مجتمعات العالم، باختلاف الثقافات والعقائد، تجاوزت هكذا مفاهيم ولم يبق منها الكثير الذي يشكل من الخطر ما يجب أن يثير القلق. نعم، وكلا. صحيح أن أغلب المجتمعات على امتداد الكوكب مشت إلى الأمام، ووضعت وراءها عادات وتقاليد كثيرة كانت تعيق إسهام المرأة في تقدم بلادها. إنما، كلا، لم يجرِ بعد تنظيف الرؤوس تماماً من فكر ذكوري يعشش تحت مسام الجلد، ويعيش حالة إنكار ذهني دائم - «State Of Denial» - يأبى تقبّل حقيقة أن أي امرأة ذات كفاءة، يمكنها إثبات أنها تملك زمام المبادرة، وأن بوسعها التحليق بنجاح لافت للأنظار في فضاءات تخصصها. تكراراً، هكذا تفكير ليس حكراً على أقطار بعينها، ولا يخص ثقافة دون غيرها. كلا، من ينظر جيداً، ويتفحص بعمق مسيرة التقدم النسوي عالمياً، يستطيع أن يلمس وجود ظاهرة قِدم العَداء لتقدم النساء، بلا كثير عناء. ألا تذكرون «المرأة الحديدية»؟
بالطبع تذكرونها. الواقع المُوّثق يقول إن مارغريت ثاتشر، ابنة البقال البسيط، اكتسبت تلك الصفة عن حق وجدارة بعدما خاضت معاركها بإرادة صلبة، أولاً ضد أوساط رجال حزب «المحافظين» الكبار، الذين استكبروا أن تكون زعيمتهم امرأة، ثم تالياً في كل المعارك السياسية التي خاضتها داخل بريطانيا وخارجها. السيدة ثاتشر مثال حي، من ثمانينات القرن الماضي، لكن الظاهرة أقدم من ذلك بقرون. في الفيلم الرائع «The Devil Wears Prada» تثبت القديرة ميريل ستريب أن بوسع امرأة ذات موهبة أن تغير الواقع المتكلس، وأن تقدم المزيد من النجوم التي تتألق حولها. انتصار مهم على عقدة التفوق الذكوري. قرار محكمة نيويورك العليا الأخير تراجع مؤلم ينتكس بحق النساء في حرية الاختيار سنين إلى الوراء. لكن لا شيء يتوقف عند نقطة على سطر. كلا، الحياة تمضي باستمرار.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عداء ذكوري قديم للنساء عداء ذكوري قديم للنساء



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب

GMT 11:48 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

هاشتاج أمينة خليل يشعل مواقع التواصل الاجتماعي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon