توقيت القاهرة المحلي 01:32:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التقسيم ظلم... الانقسام أظلم

  مصر اليوم -

التقسيم ظلم الانقسام أظلم

بقلم - بكر عويضة

الأول ظلمٌ سافر لحق بالشعب الفلسطيني وفق قرار أممي، اتُّخذ في مثل يوم أمس (29-11) من عام 1947. الثاني خطيئة أقدم عليها تنظيم فلسطيني من منطلق تقديم الولاء العقائدي على صالح عموم الفلسطينيين، وإذ ذاك هو الحال، فمن المرجح أن يحق فيها وصف أنها الأظلم، من باب القياس على خُلق تعارف عليه قدماء العرب، فقال به طرفة بن العبد: «وَظُلمُ ذَوي القُربى أَشَدُّ مَضاضَة... عَلى النفس مِن وَقعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ». التحليل الموضوعي يوجب الأخذ بعين الاعتبار أن خطيئة الانقسام الحاصل منذ صيف العام 2007 يتشارك في تحمل مسؤولية وقوعها، ثم استمرارها خمسة عشر عاماً، تنظيمان هما حركة «حماس» وحركة «فتح»، لكن الأولى أكثر تحملاً للمسؤولية، بحكم أن قياداتها هم مَن اتخذوا قرار الانشقاق السياسي، ثم سارع مقاتلوها إلى التنفيذ بمطاردة فلول القيادات الفتحاوية العليا، التي سارعت، بدورها، إلى الفرار من قطاع غزة في كل اتجاه تَوفَّر لها.
نعم، بوسع أغلب القيادات السياسية لتنظيمات وأحزاب وحركات العمل السياسي، دائماً، أن تجد الملاذ الآمن بعيداً عن مواقع المواجهات المسلحة التي يَدفع أثمانَها الباهظة من دماءِ قتلى وآلامِ جرحى، مقاتلون بسطاء، مخلصون، أنقياء النيّات، إنما مكانهم الأساس يظل الصفوف الخلفية للفصائل وليس قمة هرم اتخاذ القرارات فيها. هذا الوضع ليس حكراً على الشأن الفلسطيني فحسب، بل هو قائم في مختلف الحركات الثورية على اختلاف مشاربها العقائدية، بينها مَن مارس العمل المسلح، ثم توقف بعد التوصل إلى اتفاقات محددة، كما جرى في آيرلندا الشمالية، مثلاً، ومنها التي لم تزل تمارس القتال، طريقاً لتحقيق الهدف. الفرق بين الحال الفلسطيني وغيره، هو في درجة عدم إلقاء أيِّ بال لمعاناة القواعد التحتية، وبالتالي عائلاتهم، التي منها يتشكل السواد الأعظم من قاع كل مجتمع. بمعنى أدق؛ معروف أن الذي يسدد فواتير باهظة الثمن لكل صراع دموي، سواء كان ضد خصم خارجي، أو بسبب اقتتال داخلي، هو القطاع الأعزل، وبالتالي السيئ الحظ، بين الشعوب عموماً، وشعب فلسطين في قطاع غزة، وفي الضفة الغربية لنهر الأردن، ليس استثناءً، بل إن ما يعانيه هو تأكيد ماثل للأعين جميعاً، على هذا الواقع المحزن.
هل من الضروري العودة إلى التساؤل المؤلم لكل متابع لمسار الانقسام الفلسطيني، والزاعق بكثير من المرارة: كم من اتفاق تم بين حركتي «حماس» و«فتح» لإنهاء الانقسام؟ حسناً، ما بين توقيع وثيقة مكة المكرمة (فبراير - شباط 2007) وإبرام اتفاقية الجزائر قبل بضعة أسابيع (13-10-2022)، يمتد شريط طويل من اتفاقيات وقّعتها قيادات الحركتين، إنما لم يُكتب لأيٍّ منها أن تُطبق تماماً. لماذا؟ من جديد، السبب بسيط جداً، لأن إنهاء وضع فلسطيني شاذ كهذا، على نحو يُفضي إلى تصالح حقيقي، يتطلب أولاً إرساء حجر أساس قائم على صفاء نيات، وتسامح قلوب، وشحذ إرادات تتفق على خريطة طريق تضع جانباً النقاط المُختلف عليها، وتمضي في مخطط تنفيذ الجوانب المُتفق بشأنها، بلا شروط مسبقة، وبلا تعقيدات تتعلق بخلافات حول «حقائب وزارية»، مثلاً، أو تحالفات إقليمية، أو رؤى آيديولوجية. حقاً، ما الحائل دون احترام الجميع لوجهات النظر المتباينة؟ مُسبقاً، أعرف الجواب، كما يعرفه غيري تمام المعرفة بحكم تكراره سنين طالت كثيراً. سوف يُقال إن المسألة أكبر من ذلك، وأخطر، وأهمّ بكثير. ويضيف أكثرهم حماسة، فيسأل بغضب مزمجر: وهل أضحى تحرير كامل تراب فلسطين مجرد وجهة نظر؟
بالطبع، ذلك سؤال سوف يبقى مرفوعاً كما السيف في وجه كل فلسطيني يرى أن الأخذ بالحلول المرحلية أجدى من جمود الوضع عند حال ليس قابلاً لأي تبدُّل. أمضى ما في حد ذلك السيف، وأمرُّ المذاق في سُمّه، حين يجرده من غمده الزاعمون بالولاء لفلسطين أكثر من غيرهم، هو ألم التشكيك بانتماء كل فلسطيني لكل أرض فلسطين. ثم إن الألم يعض بوجع أشد، إذ تتابع ولاءات أولئك الزاعمين أنفسهم، فتراها تشد على أيدي حكومات تضرب بأيدٍ من حديد انتفاضات شبان وشابات لمجرد المطالبة بحريتهم في وطنهم، كما الحاصل في إيران منذ أسابيع. نعم، بلا جدال، قرار 1947 التقسيمي ظلم فادح، لكن لو جرى الأخذ به، فلسطينياً وبدعم عربي، قبل كارثة 1967، ربما حال دون ضياع الضفة والقطاع، وبالتالي دون الوصول إلى خطيئة الانقسام الفلسطيني.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التقسيم ظلم الانقسام أظلم التقسيم ظلم الانقسام أظلم



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب

GMT 11:48 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

هاشتاج أمينة خليل يشعل مواقع التواصل الاجتماعي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon