توقيت القاهرة المحلي 07:41:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

يستحيل ضمان سلام غير عادل

  مصر اليوم -

يستحيل ضمان سلام غير عادل

بقلم - بكر عويضة

حل، أمس، سيد البيت الأبيض، الرئيس جو بايدن، في أرض الأجداد الآيرلنديين قادماً إليها عبر المحيط الأطلسي، بأمل أن يشارك، وسط أجواء تتسم بأقل قدر من التوتر الأمني، في الاحتفال بمرور خمسة وعشرين عاماً على اتفاق «الجمعة العظيمة»، الذي أطْلق عليه هذا الاسم لأنه ارتبط بيوم التوقيع عليه، بين أطراف الحرب الأهلية في آيرلندا الشمالية. هل ثمة موجب للتحوط، رغم أن السلام موجود، كما يُفترض، منذ عاشر أبريل (نيسان) عام 1998؟ نعم، الواقع يثبت دائماً أن الافتراض شيء، وما يجري من وقائع على الأرض شيء مختلف تماماً. ضمن هذا السياق، فإن توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، الذي شهد عهده التوصل إلى ذلك الاتفاق، برعاية أميركية تولاها سيناتور جورج ميتشيل، زمن الرئيس بيل كلينتون، قد أصاب إلى حد كبير، عندما أطلق، مساء الجمعة الماضي، صيحة تحذير خلاصتها ألا يؤخذ سلام آيرلندا الشمالية من منطلق أنه قائم «FOR GRANTED»، أي «مضمون» باستمرار.
إذا كان هذا هو حال السلام الهش، حيث وُلد صراع ذو بعد ديني - قومي قبل قرن وعام واحد فقط، أي مع ولادة «آيرلندا الحرة» - جمهورية آيرلندا حالياً - في العام 1922، فهل مِن عجب إذا استحال ضمان شروط تعايش فلسطيني - إسرائيلي؟ من جديد، كلا، فأرض فلسطين، كما هو معروف لكل متابع، لم تزل تشهد الصراع تلو الآخر طوال قرون تمتد آلاف السنين، ومن ثم فإن القتل الذي وقع وأسقط ضحايا، فسال الدم وعاد الحزن، يفرض وجوده تحت أسقف البيوت على الجانبين، جراء العنف الذي حدث طوال الأسبوع الماضي، بعد اقتحام قوات تتبع «جيش الدفاع الإسرائيلي» حرم المسجد الأقصى والاشتباك مع معتكفين داخله، مما أدى إلى تواصل التوتر على مدار الأربع وعشرين ساعة مذ ذاك الوقت، ولو بشكل متقطع، هذا الدم الذي طفق ينزف مجدداً في الجانبين، إنما يُضاف إلى أنهار سبقته سالت من دماء طرفي صراع ليست تبدو له في نهاية النفق أي نهاية يمكن القول إنها جادة فعلاً، ويمكن بالتالي ضمان أن تعيش قروناً تلي التوصل إليها.
الواقع أن أي صراع ذي طابع ديني سوف يصعب دائماً، وقد يستحيل، الجمع بين الأطراف ذات الشأن المباشر فيما يخص أساس نشوئه، جمعاً يوصل إلى توافق جدّي بينها. مصالح القائمين على إدارة هكذا صراع، سواء آنية كانت، أو آجلة، تدفعهم في المراحل كافة للنفخ في جذوة النار كلما بدا أنها بدأت تخمد. التاريخ معلم حاضر لكل راغب في التعلم. بوسع كل دارس الرجوع إلى وثائق حروب اندلعت بين شعوب عدة؛ كي يرى أن السلام الذي استمر، فعاش وعمّر، هو ذاك الذي قام وفق أسس كان ممكناً ضمان استمرارها زمناً يطول على نحو يتيح قيام فرص وئام فعال، وبالتالي سلام إيجابي، من شأنهما معاً فتح المجال أمام الأجيال الشابة من الناس العاديين، وليس القياديين، على طرفي الصراع كي تلمس بنفسها المعنى الحقيقي للسلام بعد قرون طالت من تبادل سفك الدماء وتضييع الوقت، بل إفناء أعمار أجيال بأكملها في خنادق وملاجئ ومخيمات، عوض استثمار الطاقات والعقول وإمكانات الإبداع في إعمار الأرض، وإسعاد البشر بدل إزهاق الأرواح.
في حالة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، قليلاً ما وفر الوقت الذي تبع كل هدوء مؤقت، للقطاع الأعم من الناس غير الجالسين في مواقع قيادية، الفرصة كي يجنوا بأنفسهم، كما أشرت أعلاه، ثمار توقف المدافع، وصمت القذائف، فيصبح السلام في منظورهم كبشر، وعند التأمل في مصالح أجيالهم الآتية، مكسباً يستحق الدفاع عنه، والإصرار عليه. لنأخذ مثلاً، أوضاع بسطاء الناس في قطاع غزة - مع الأخذ في الاعتبار أن المعاناة في الضفة الغربية ليست هينة إطلاقاً - ذلك وضع لم يتوقف عن التدهور من سيئ إلى أسوأ منذ اندلاع أول انتفاضة (1987)، مروراً بمجيء حكم «فتح» من تونس إلى غزة (1994)، وصولاً إلى استيلاء «حماس» على الحكم صيف 2007. إلقاء مسؤولية التدهور على أكتاف «حماس» وحدها ليس دقيقاً، ولا هو موضوعي أيضاً. أطراف عدة تتحمل المسؤولية، وفي مقدمها إسرائيل. أما سلام «اتفاق أوسلو» فغير مضمون أصلاً؛ لأنه في الأساس بلا أساس عادل. في انتظار أن تتبدل هكذا حال، يجب ألا يفاجأ أحد بمزيد من العنف... والدماء.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يستحيل ضمان سلام غير عادل يستحيل ضمان سلام غير عادل



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب

GMT 11:48 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

هاشتاج أمينة خليل يشعل مواقع التواصل الاجتماعي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon