توقيت القاهرة المحلي 21:31:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تناحر سوداني... وتنمُّر بريطاني

  مصر اليوم -

تناحر سوداني وتنمُّر بريطاني

بقلم - بكر عويضة

لم تكد زوابع سياسية أثارها في لندن تقرير أدان أسلوب تعامل نائب رئيس الوزراء ووزير العدل السابق، دومينيك راب، مع العاملين معه تهدأ قليلاً بعد إقناعه بالاستقالة، وبالتالي الانسحاب إلى مقاعد مجلس العموم الخلفية، حتى أرغم تصاعد الحريق السوداني حكومة ريشي سوناك على المسارعة في ترتيب إجلاء وسحب طاقم السفارة من الخرطوم، شأنها في ذلك شأن حكومات عواصم عدة، سارعت هي أيضاً إلى سحب بعثاتها الدبلوماسية، وتأمين سبل مغادرة رعاياها من بلد يقف أمام مجهول مرعب حقاً، إذا استمر اقتتال صراع القوة والتناحر، بصرف النظر عن عِظم الثمن الذي يُدفع من دماء السودانيين وأرواحهم.
قد يبدو ربط ما يشهده السودان هذه الأيام، بما وقع للوزير راب المتهم بالتنمّر، شطحاً يبتعد كثيراً عن الواقع، لكن الخط الذي يصل بينهما موجود، ولو لم يظهر واضحاً للناظر بالعين المجردة. لِمن لم يتابع قصة دومينيك راب من أولها، هنا تفاصيل جوانب منها. في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، اشتكى مسؤولان عملا إلى جانب السيد راب في وزارة العدل من سوء تعامل الوزير مع الموظفين. سارع رئيس الوزراء إلى القول إن تحقيقاً في الأمر سوف يجري بقصد التوصل للحقيقة. رد الفعل السريع من جانب سوناك كان متوقعاً لسببين؛ أولهما أن راب حليف مقرب منه، وثانيهما أنه فور فوزه بزعامة حزب «المحافظين»، وبالتالي رئاسة الحكومة، أكد أن الاستقامة في أداء العمل الرسمي بند أساسي عنده، وهو بتأكيده ذاك كان يشير إلى إخفاق سلفه بوريس جونسون في الالتزام بمبادئ محددة، ضمن هذا السياق.
يبدو أن تلك الشكوى الرسمية فتحت الباب أمام تدفق شكاوى أو ملاحظات مماثلة. سايمون ماكدونالد مثلاً، وهو رئيس سابق لإدارة الخدمات الدبلوماسية، قال إنه حذر راب ولفت نظره إلى ضرورة تغيير أسلوبه أثناء توليه منصب وزير الخارجية. لاحظ ماكدونالد أن المفردات التي يتفوه بها الوزير، ونبرته، خلال الاجتماعات مع الموظفين تتسم بالجفاف، وبكلام مقتضب على نحو فظ. ككل قصة في كل الحالات السياسية، تحول الأمر إلى قضية للتداول على شاشات التلفزيون ومحطات الإذاعة والصحف، ما دفع سوناك إلى الإسراع في التحقيق الذي وعد به، وكلف بالمهمة المحامي المعروف، وعضو المجلس الملكي، آدم تُلّي. وكما يحدث أيضاً في كل القضايا الخلافية التي تخص شخصيات عامة، بدا من الطبيعي أن تختلف الآراء بشأن أسلوب دومينيك راب، ومن ثم هل يجوز أن يسارع أي موظف عام؛ خصوصاً إذا كان أحد كبار موظفي الخدمة المدنية، إلى إطلاق وصف «تنمّر» ضد شخص المسؤول الذي يعمل إلى جانبه، بصرف النظر عما إذا كان في موقع وزير، أو أي منصب آخر.
مع إعلان تقرير المحقق الأسبوع الماضي، استعر الخلاف أكثر، إذ أدان التقرير السيد راب، زاعماً أن أسلوبه في التعامل مع موظفيه «يثير الخوف»، وأنه «عدواني»، فارتفع الزعيق في صفوف أحزاب المعارضة، وفي مقدمها حزب «العمال»، يطالب باستقالته فوراً. في المقابل، تصدت أيضاً أصوات تحذر من خطورة سابقة كهذه، من منطلق أنها تضعف هيبة المسؤول أمام الموظفين، وصدع عنوان الصفحة الأولى لصحيفة «ديلي ميل»، المعبرة عن توجه اليمين، في عددها الصادر في اليوم التالي، باستقالة راب، متسائلاً بما مضمونه؛ أيكون هذا هو اليوم الذي ثبت فيه أن بريطانيا لم تعد قابلة لأن تُحكم؟ وفي السياق ذاته، رأى اللورد المحافظ مارلاند أن ما جرى كان «مؤامرة» نفذها نشطاء في سلك الخدمة المدنية يستهدفون إضعاف الحكومة. إن إشكالية أساليب علاقات العمل بين المسؤول والعاملين معه، باختلاف درجات مواقعهم في السلم الوظيفي، ليست جديدة. ومعروف أن الطبائع تختلف، وبالتالي الشخصيات، ومن ثم الأساليب.
يحصل هذا في المؤسسات، كما يحدث تحت أسقف البيوت، بمعنى كيف يدير ربُّ البيت شؤون الأسرة، كما يقع على صعيد المجتمعات كلها. من هنا؛ يمكن القول إن التناحر الحاصل في السودان هو إحدى نتائج التنمر الواقع على السودانيين منذ بدأ مسلسل الانقلابات العسكرية عام 1964 ثم طفق يتناسل حتى وصل الرقم 17 انقلاباً. ليس واضحاً إلى أين يمضي؟ وكيف ينتهي صراع الجنرالين في الخرطوم؟ إنما يبقى التمني ألا تستغل أطراف من الخارج ما يجري، فتدفع السودان إلى نفق مجهول لأمد يطول.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تناحر سوداني وتنمُّر بريطاني تناحر سوداني وتنمُّر بريطاني



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 20:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

مصر تؤكد على دعم سوريا وأهمية حماية المدنيين
  مصر اليوم - مصر تؤكد على دعم سوريا وأهمية حماية المدنيين

GMT 16:48 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إياد نصار يُشوق متابعيه لفيلمه الجديد ويُعلِّق
  مصر اليوم - إياد نصار يُشوق متابعيه لفيلمه الجديد ويُعلِّق

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

GMT 11:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تتفاوض مع شركات أجنبية بشأن صفقة غاز مسال طويلة الأجل

GMT 13:21 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الأهلي يتعاقد مع "فلافيو" كوم حمادة 5 سنوات

GMT 15:07 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 07:34 2018 الأربعاء ,18 تموز / يوليو

شيخ الأزهر يستقبل توني بلير ويعرب عن دعمه لمصر

GMT 06:35 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خروج فتحي وسامي عن قائمة بيراميدز أمام سموحة

GMT 00:26 2021 الأحد ,23 أيار / مايو

عمرو جمال يقترب من الانضمام لـ«بيراميدز»

GMT 11:47 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

شوبير يهاجم الكاف بسبب ملعب مباراة الأهلي وسونيديب

GMT 10:53 2020 الأحد ,13 كانون الأول / ديسمبر

الكاف يبحث مقترحا جديدا بشأن مباراتي الزمالك وبطل تشاد

GMT 04:30 2020 الإثنين ,02 آذار/ مارس

الزمالك يدرس بيع فرجاني ساسي ومحمود علاء

GMT 18:16 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

رينيه فايلر يرفض إراحة لاعبي الأهلي عقب لقاء المقاصة

GMT 04:01 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

Brabus تستعرض أسرع سيارات مرسيدس من الفئة "G"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon