توقيت القاهرة المحلي 21:31:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السودان لكل السودانيين

  مصر اليوم -

السودان لكل السودانيين

بقلم - بكر عويضة

حقاً، السودان كذلك. إذّاك هو الحال، ما مبرر أن يأتي عنوان المقال كما حال الذي «فسّر الماء بعد الجَهد... بالماء»؟ أستعين بما جرى على أرض الواقع السوداني، علّ في ذلك ما يبرر، أحياناً، تأكيد أمر مؤكد في حد ذاته، ليس يجادل فيه أناس يعقلون، إنما قد يتنطع مزكّون لأنفسهم على غيرهم، فيتصدى الواحد منهم لتشكيك مواطنين مثله في مقدار حبهم الوطن، ومن ثم درجات إخلاصهم، أو ولائهم، وربما مدى استعدادهم للتفاني في الذود عن تراب الأوطان، والدفاع عنها ضد أي معتدٍ أثيم.
لستُ أقصد بما سبق أياً من طرفي الصراع السوداني، فالقصد عموم الظاهرة وليس أحد أشكالها تحديداً. إلى ذلك، ربما يفيد التذكير بسوابق تدلل على عمق وجود تلك الظاهرة عربياً. فقبل السودانيين، وقع تطور مفزع كهذا لشعوب أجزاء شتى من العالم العربي. مثلاً، واجه أبناءُ فلسطين، وبناتها، المواطنون منهم والمُهجَّرون، مذ حلّت بهم أولى نكباتهم، وحتى هذا اليوم، حالات تقسيمهم طبقات في الوطنية، وأقساماً في الولاءات، وفق أهواء قيادات تنظيماتهم. الأمر ذاته تكرر مع اللبنانيين ومع السوريين، مع العراقيين ومع الليبيين، وكذلك مع اليمنيين، جنوباً ثم شمالاً. أكتفي بذكر شعوب مناطق العرب التي اشتعلت فوق أراضيها حرائق أريد لها أن تأتي على أخضر مجتمعات عربية ويابسها، بعدما بدا أنها بدأت تشكل بدايات واعدة، فنُسِف الحاضر، أولاً، وكانت النتيجة أن دُمر غد أجيال بأكملها، بل إن البعض لم يتوانَ حتى عن تزوير، أو إلغاء، ماضٍ موثّق يثبت وجود بنيان دولة سبق استيلائه عليها، كأن شيئاً لم يكن قائماً، على الإطلاق، قبل أن يتصدر المشهد.
رغم وقوع عدد من حوادث الصدام نتيجة تظاهر شبان وشابات يطالبون بإتمام التحول الديمقراطي، لم يكن طفا على سطح أحداث السودان، حتى فجر يوم السبت الماضي، مؤشر ينبئ عن انفجار مسلح وشيك داخل جسم الجيش كمؤسسة تحكم منذ إطاحة حكم الفريق عمر البشير. مراسلو معظم محطات التلفزة، ومنصات الإعلام العالمي، عبر القارات الخمس، عبّروا عن دهشتهم إزاء مفاجأة الحدث. بيد أن الطرف الأساس الذي صُعق من وقع المفاجأة، تَمثل في أهل السودان أنفسهم. بالطبع، ذلك أن أغلب الناس لم يكونوا مستعدين لمثل تلك الصدمة، فيما هم يقضون أواخر أيام شهر الصيام بقلوب مطمئنة، ويستعدون لاستقبال بهجة عيد الفطر بما توفر من حد أدنى من أسباب العيش الكريم، وليس بلا مواد تموين أساسية، إذ لم يكن هناك ما يدعوهم لأن يأخذوا حذرهم، فيسارعوا إلى تخزين السلع الغذائية، أو غيرها. هكذا تنتهي الأمور في كل حالات الصراع المسلح على السلطة بين أطراف عدة داخل أي بلد، وليس في السودان وحده. عوامُّ الناس، وخصوصاً البسطاء منهم، سوف يدفعون أغلى ثمن دائماً. ثم إن نقص الغذاء قد يَهون إذ يُقارَن بوقوع قتلى مدنيين نتيجة اقتتال مسلحين على الحكم. مؤلم فوق كل تصور أن تسيل دماء أي إنسان مدني برصاص ينطلق من رشاش جندي من مواطني الوطن ذاته. ها هو السوداني المسالم يجد نفسه أمام فوهات مدافع جيش بلده، وتحت رحمة قصف طائرات سلاح طيرانه. هل ثمة منطق يمكن له تبرير هكذا وضع؟
كلا، ليس ممكناً، على الإطلاق، فهم معنى أن تحلق طائرات استقطع المواطنون، بأي بلد، ثمن شرائها من قوت عيالهم، كي تزهق أنفس أطفال أولئك المواطنين أنفسهم، بل تهدم أسقف بيوتهم فوق رؤوسهم. تكراراً، هذا مرفوض، في السودان وفي أي مكان. لقد وُجد الجيش بكل البلاد لغرض أن يدافع عن أهلها، ويدفع عنهم كل أذى يأتيهم من وراء حدودها، لا كي يوقع قتلى بينهم، وآخرين جرحى. قبل ثمانية وثلاثين عاماً، ذهبتُ إلى الخرطوم موفداً من الأستاذ فؤاد مطر، وهو يومذاك ناشر ورئيس تحرير مجلة «التضامن»، لندنية التأسيس والصدور، وعربية الانتشار. كانت تلك أواخر أيام عهد المشير جعفر نميري. خلال لقاءاتي، كنتُ أسمع من مختلف القيادات السياسية التعبير الشعبي القائل إن «الحالة بطالة خلاص». في سادس أبريل (نيسان) 1985 أطاح السودانيون حكم نميري. جرت مياه كثيرة مذّاك الزمن في النيلين الأزرق والأبيض. بقي المشكل قائماً؛ يفشل كبار أشخاص قوى السودان السياسية في التوافق، فيتدخل الجيش، وتستمر الدوامة. إلى متى؟ عالم الغيب وحده يعلم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان لكل السودانيين السودان لكل السودانيين



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 20:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

مصر تؤكد على دعم سوريا وأهمية حماية المدنيين
  مصر اليوم - مصر تؤكد على دعم سوريا وأهمية حماية المدنيين

GMT 16:48 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إياد نصار يُشوق متابعيه لفيلمه الجديد ويُعلِّق
  مصر اليوم - إياد نصار يُشوق متابعيه لفيلمه الجديد ويُعلِّق

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

GMT 11:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تتفاوض مع شركات أجنبية بشأن صفقة غاز مسال طويلة الأجل

GMT 13:21 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الأهلي يتعاقد مع "فلافيو" كوم حمادة 5 سنوات

GMT 15:07 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 07:34 2018 الأربعاء ,18 تموز / يوليو

شيخ الأزهر يستقبل توني بلير ويعرب عن دعمه لمصر

GMT 06:35 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خروج فتحي وسامي عن قائمة بيراميدز أمام سموحة

GMT 00:26 2021 الأحد ,23 أيار / مايو

عمرو جمال يقترب من الانضمام لـ«بيراميدز»

GMT 11:47 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

شوبير يهاجم الكاف بسبب ملعب مباراة الأهلي وسونيديب

GMT 10:53 2020 الأحد ,13 كانون الأول / ديسمبر

الكاف يبحث مقترحا جديدا بشأن مباراتي الزمالك وبطل تشاد

GMT 04:30 2020 الإثنين ,02 آذار/ مارس

الزمالك يدرس بيع فرجاني ساسي ومحمود علاء

GMT 18:16 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

رينيه فايلر يرفض إراحة لاعبي الأهلي عقب لقاء المقاصة

GMT 04:01 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

Brabus تستعرض أسرع سيارات مرسيدس من الفئة "G"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon