توقيت القاهرة المحلي 21:19:23 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سبتمبر... الشبح الحاضر

  مصر اليوم -

سبتمبر الشبح الحاضر

بكر عويضة
بقلم: بكر عويضة

ليس شبح حادي عشر سبتمبر (أيلول) الأميركي وحده الذي لم يندثر خطره بعد نهائياً، مع أنه اتخذ مقعده المميز في سجلات أحداث الإرهاب بوصفه الأكثر حضوراً في ذاكرة بشر الزمن المعاصر، مذ وقع ضحى ذلك اليوم من عام 2001، أول أعوام ألفية الميلاد الثالثة. يومها، كتبتْ الملكة إليزابيث الثانية تواسي عائلات ضحايا المجزرة، الذين تجاوز عددهم ألفي إنسان، فتضمنت مواساتها الكلمات التالية: «الحزن هو ثمن ندفعه للحب». المقولة ذاتها «Grief Is The Price We Pay For Love» اختارتها «ديلي تلغراف»، إحدى أعرق صحف بريطانيا اليومية، ذات الولاء الثابت للحكم الملكي، وأسرة الملكة، كي تصاحب صورتها على كامل الصفحة الأولى، لعددها الصادر صباح الجمعة الماضي، اليوم التالي لوفاتها.

وقائع الدمار المخيف، الذي وقع على مسمع ومرأى العالم كله يوم 11 سبتمبر 2001، ليست وحدها التي يظل شبحها حاضراً يحمل نُذر احتمال تكرارها. كلا، ثمة نوع آخر من الخوف -ليس بمعنى الجبن، وإنما التحسّب- حريٌّ أن يبقى له حضور دائم في أذهان مخططي الاستراتيجيات الآنيّة، وكذلك المستقبلية، واضعي المناهج التعليمية، متابعي التطورات السياسية، دارسي شؤون التنظيمات الإرهابية، ومن ثم صُناع القرار على مختلف المستويات، إنه الخوف الآخذ في الحسبان إمكانية أن يطوّر النهج الفكري المنتج تنظيم «القاعدة» من شكل مظهره، أن يبدل جلده، أن يحمل من الأسماء ما لم يخطر على البال، فيخرج على الناس باسم «داعش»، مثلاً، وأن يثبت قدرته على التعايش مع أي فيروس مقاوم له، تماماً مثل «كورونا» حين طفق يحوّر ذاته في أشكال عدة، حتى خُيِل للبعض أنه انتهى، وأن أمره انقضى، فيما يؤكد الواقع أنه لم يزل موجوداً، بل ينتعش أيضاً، بعدما أمكنه إقناع ضحاياه بإمكانية العيش إلى جانبه. كذلك هو حال الفكر المتطرف، يستطيع التكاثر كما البعوض، خصوصاً كلما وجد المستنقعات الدافئة، الحاضنة، وبالتالي المرحبة أن يفقس البيض على ضفافها كي تطلق شرورها لاحقاً في غير فضاء، وحيثما تشاء.

صحيح أن اصطياد عناصر قيادية في التنظيمات التي تسمي نفسها «جهادية»، والنجاح في تغييبها عن ساحات الفعل الإرهابي، يربك أحوال القواعد المأمورة من تلك القيادات، وربما يضعفها، وقد يشل حركتها في المدى المنظور، لكن ذلك الاصطياد وحده ليس الحل الحاسم للمشكل. يدرك هذه الحقيقة على نحو أفضل مني، ومن غيري، أهل الاختصاص في حقول الأمن، وهم بالتأكيد الأدرى بكيف يكون حل الخلاص النهائي من آفة الإرهاب باسم الدين الحنيف تحديداً. في الجانب الفكري، يمكن لكل صاحب قلم أن يسهم، بل من الواجب أن يفعل، قدر ما يستطيع، إنما بلا تمنن على أحد، وبلا ادعاء علم أوسع مما يعلم، ولعل الأهم بلا إلباس الذات من أثواب المزايدة على الناس ما ليس يُطاق، فينفر بدل أن ينوّر.

أما على الصعيد الديني، فلم يزل الطريق ممتلئاً بما زُرع من ألغام التنطع والتكفير طوال ما يتجاوز نصف قرن. نزع تلك الألغام، بقصد الحيلولة دون خطر انفجارها المفاجئ هو مهمة العقول المستنيرة في صفوف أفاضل العلماء الذين هم أكثر من غيرهم دراية بمكامن الضعف عند الأجيال الشابة، بوسع زاعمي علم ديني متطرفين استغلالها بغية الانحراف بالشبان والشابات عن الدرب السويّ للعقيدة، سواء بما يتعلق بالشرع، أو بمجمل دروب الحياة.

الأساس ذاته، تقريباً، ينسحب على أكثر من سبتمبر، سابق أو لاحق، ليوم تدمير البرجين في أميركا. هناك سبتمبر ليبيّ قُدر له أن يولَد قبل عام من سبتمبر أردنيّ - فلسطينيّ مؤلم. وثمة سبتمبر يمنيّ (26 - 9 - 1962) سبق الاثنين. هل من الضروري استحضار المزيد؟ كلا. يكفي القول إن ليبيا، التي نَحّت جانباً سنوات فاتح سبتمبر 1969 قبل أحد عشر عاماً، لم تزل تواجه مهمة نَحْت البديل الأصلح حقاً. هل بوسع المواطن الليبي غير الطامح إلى منصب مهم، وغير الطامع في كنز الحكم، الاطمئنان التام إلى أن واقع ليبيا تجاوز احتمال الانقلاب العسكري المسلّح؟ وهل يمكن القول إن فخ الصدام الفلسطيني - الأردني (1970) غير قابل لأن يُستنسخ ولو بتدبير من طرف خارجي؟ ثم، هل كل اليمنيين استوعبوا دروس ما انتهى إليه يمنهم «السعيد» بتأثير انقلابات العسكر بعضهم على بعض؟ أسئلة قد تبدو قديمة جداً، لكنها لم تزل تتطلب إجابات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سبتمبر الشبح الحاضر سبتمبر الشبح الحاضر



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon