توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من محفوظ إلى رشدي

  مصر اليوم -

من محفوظ إلى رشدي

بقلم - بكر عويضة

بوسع إيران التنصل من تحمل مسؤولية أن يحاول شاب لبناني قتل الروائي سلمان رشدي. ذلك حق مكفول لها وفق القانون الدولي. ضمن سياق كهذا، يمكن القول إن نفي ناصر كنعاني، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، أول من أمس (الاثنين)، أي علاقة لبلاده بما حدث في نيويورك يوم الجمعة الماضي، غير مفاجئ على الإطلاق، بل جائز الافتراض أنه متوقع أيضاً. الأمر الذي ليس بوسع حكام إيران التنصل من مسؤوليته، هو وجود تحريض رسمي يحمل صفة «فتوى» ممهورة بتوقيع الخميني، القائد الثوري المؤسس لأولى الجمهوريات الإيرانية، وفقاً لمفاهيم يعتقد بها بعض علماء الفكر الديني عند الشيعة، وهم يعطون أنفسهم مرتبة تميزهم عن غيرهم فيسبق أسماءهم وصف «آيات الله». تلك «الفتوى»، التي تصادف أنها صدرت في يوم يُحتفى فيه لدى شعوب مجتمعات الغرب المسيحي بإحياء ذكرى قديس يُدعى فالنتاين، سُمي هذا اليوم «عيد الحب»، أباحت إهدار دم مؤلف رواية «آيات شيطانية»، وخصصت مكافأة قدرها ثلاثة ملايين دولار، لمن ينجح في قتل سلمان رشدي حيثما كان على سطح كوكب الأرض. بالتأكيد، لن يُعقل أن ينفي ناصر كنعاني، أو غيره من مسؤولي الحكم الإيراني، واقعاً كهذا موثقاً دولياً منذ نهار الرابع عشر من فبراير (شباط) عام 1989. ترى، هل يجوز تصور أن وجود كلمة «آيات» على غلاف كتاب سلمان رشدي الصادر قبل «الفتوى» بعام، تقريباً، بدا كافياً لاستفزاز حاملي الصفة ذاتها، وبالتالي لأن يُستشاط غضب الخميني، فكان كل الذي كان؟
ربما، لكن، حتى لو صح مثل هذا التصور، لن يقلل ذلك من حقيقة أن سلمان رشدي تهوّر في أسلوب تصوير حقبة صدر الإسلام. صحيح، احترام حرية التعبير، حق يجب أن يُكفل للمبدع بأي مجال وزمان وفي كل مكان. في المقابل، عندما يقرر روائي ما، كاتب، شاعر، مسرحي، رسام، سينمائي، أو قل الفنان عموماً، التصدي لمفاهيم لها وضع المقدس في فهم أغلب عموم الناس، أو التناول الساخر من شخوص ذات رمز خاص في نصوص ليست تحتمل أي جدال عند الغالبية العظمى لأكثر من مليار إنسان، إذ ذاك على المتخذ القرار بتهوّر كهذا ألا يتوقع أن يقابل بالورود والرياحين. لن يستقيم مثل هذا التوقع على الإطلاق، حتى لو صح في نظر صاحبه، بل سيبقى في مستوى شطح الخيال، تماماً مثل الذي وضع من رواية أو رسم، قصيدة أو كتاب. ألم يواجه الأنبياء والرسل أنفسهم، ومن بعدهم المصلحون والفلاسفة، كثيراً من الأذى، والمشاق، والألم، لمجرد أنهم جاءوا بغير المعتاد في أزمانهم؟
بلى، إنما هل أن رفض أي محتوى، أو تأذي المشاعر، سواء لدى الكثير، أو البعض القليل، مما أتى به مضمون عمل إبداعي، أو إزاء اقتراح انتهى إليه اجتهاد مفكر في تفسير وشرح مرحلة ما، يبرر شكلاً آخر من أشكال التهور يتمثل في الاعتداء على صاحب المحتوى المرفوض، أو واضع العمل الذي اعتبِر أنه مسيء؟ كلا، إطلاقاً. هذا ليس مجرد رأي من عندي. عندما أدلى الدكتور محمد الغزالي، بشهادته في محاكمة قاتل الكاتب فرج فودة (8 - 6 - 1992)، أدان أقوال وكتابات الرجل عن الإسلام، لكنه ذكّر بحقيقة أن إقامة الحد مسؤولية ولي الأمر، وأنه ليس جائزاً لكل مسلم أن يعطي نفسه حق الإفتاء، أو تنفيذ القانون، ثم وصف القتلة بالنزق وقلة العلم. وعندما تعرض نجيب محفوظ للطعن (14 - 10 - 1995) أكد أنه غير حاقد على من حاول قتله، بل مضى أبعد من ذلك بالقول إنه تمنى ألا يتم تنفيذ إعدام اللذين أدينا بجريمة الطعن. تُرى هل أنها مجرد مصادفة، أم مفارقة، أم الأصح، ربما، أنها تصلح مقاربة عند التأمل في واقعة أن عنق نجيب محفوظ كان موضع الطعن، تماماً مثل الذي وقع في محاولة قتل سلمان رشدي؟ أياً كان الحال، يبقى واضحاً لكل ذي اهتمام أن قتل المفكر لن يقتل مضمون الفكر الذي حمل. وقع هذا مراراً، وتكرر، قبل فرج فودة، ونجيب محفوظ، وسلمان رشدي، والأرجح أن يتواصل، لكنه نهج عدمي لن يوصل إلا إلى ما هو عكس المُراد منه، فالمُستهدف يزداد حضوراً، وفكره يصبح مطلوباً أكثر، خصوصاً في عصر الفضاء الإلكتروني.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من محفوظ إلى رشدي من محفوظ إلى رشدي



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon