توقيت القاهرة المحلي 21:14:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اعتزال جونسون وتنحي جمال

  مصر اليوم -

اعتزال جونسون وتنحي جمال

بقلم - بكر عويضة

يوم فاجأ جمال عبد الناصر العالم، بقرار الاستقالة، نهار التاسع من يونيو (حزيران) سنة 1967، كان بوريس جونسون طفلاً ابن ثلاث سنوات فقط؛ فهو مولود في التاسع عشر من يونيو 1964. يوم الجمعة الماضي، مساء ذكرى مرور ستة وخمسين عاماً على مفاجأة عبد الناصر، فوجئ الوسط السياسي داخل بريطانيا وخارجها، بقرار جونسون الاستقالة، واعتزال النشاط البرلماني نهائياً بعدم الترشح مجدداً لعضوية مجلس العموم. يمكن، بل يجب، توقع احتمال أن يصدع قارئ، أو قارئة، بالسؤال التالي: أين العلاقة؟ بل ما وجه المقارنة بين تنحي عبد الناصر، واعتزال جونسون؟

سؤال وجيه، خصوصاً إذا كان صادراً عن أفراد ينتمون إلى شرائح أعمار لم تشهد ما شهد جيلي من نكبات، ثم مآسٍ، سرعان ما تبعتها انتكاسات. بيد أن بعضاً من الأوجه التي تبرر المقارنة بين كلتا الحالتين قد تُفاجئ كثيرين، وربما تدهش آخرين، لكنها، على الأرجح، لن تثير استغراب المهتمين بالربط بين الطبائع الشخصية للسياسيين؛ كونهم بشراً كغيرهم من الناس، وبين سياساتهم، أو، وهذه أخطر، قراراتهم التي يفاجئون بها الجميع، سواء كانوا حولهم، أو بعيداً عنهم، والتي ستكون لها انعكاسات جداً خطيرة تستمر آثارها سنوات قد تطول كثيراً، ومن ثم يطال تأثيرها السيئ أجيال الغد الآتية لاحقاً، رغم أنها غير مسؤولة عن تصرفات مَن سبقوها. حقاً، سمعتُ شخصياً، ولعل بعضكم سمع أيضاً، من شابات وشبان تساؤلات عدة جوهرها هو التالي: ما ذنبنا كي ندفع في حاضرنا، ثم من مستقبلنا، ثمن أخطاء ماضيكم؟

المشكل القائم بالفعل، وليس مفترضاً، يتمثل في إصرار يصل إلى درجة العناد لدى بعض المنتمين إلى جيلي، على رفض مجرد إعطاء الأجيال الشابة الحق في طرح هذا السؤال المنطقي تماماً. هنا يتجلى أحد أوجه المقارنة بين تنحي جمال عبد الناصر، وبين مفاجأة اعتزال بوريس جونسون، التي طفقت تفاعلاتها تحوم في فضاء بريطانيا السياسي، منذ إعلانها قبل بضعة أيام، والتي يقول البعض إنها إنْ نجحت في شيء، فهو التسبب بمزيد من تسميم أجواء حزب «المحافظين»، وإيقاع تشقق أوسع في صفوف حزب ممزق أساساً، مما يعطي التيار المعارض، وخصوصاً حزب «العمال»، فرصاً أكثر لتحقيق انتصار ساحق في انتخابات العام المقبل البرلمانية. دليل ذلك أن القادة العماليين، بادروا إلى المطالبة بتقديم موعد الانتخابات وإجرائها فوراً، مستغلين هشاشة أوضاع المحافظين. في المقابل، كان وقع مفاجأة قرار عبد الناصر التنحي وتحمل مسؤولية زلزال الهزيمة، هو جمع شتات المصريين، ومعهم جموع العرب كافة، بعدما أفاقوا على هول الكارثة، ورأوا، من جانبهم، أن التمسك بزعامة الرئيس المستقيل، إصرار على الاستمرار في حرب بدا لهم أنها لم تنتهِ بعد.

نعم، هناك من يذهب بهم الظن بعيداً إلى حد الزعم أن قرار الزعيم عبد الناصر يومذاك، هو نوع من التمثيل على مسرح هزيمة نكراء، لكن هكذا ادعاء لم يستند إلى أي دليل على الإطلاق. البعض ادعى أن شاحنات عسكرية، وعربات نقل تابعة لجسم داخل الاتحاد الاشتراكي، كان يحمل اسم «التنظيم الطليعي»، انطلقت فور انتهاء خطاب الاستقالة، تجمع الناس من الشوارع وتحشرهم داخلها، ثم تنطلق بهم إلى ساحة قصر القبة الرئاسي، للمشاركة في مسيرات يومي التاسع والعاشر من ذلك الشهر. آنذاك، كنتُ طالباً في جامعة القاهرة، وبالتالي أحد الذين شهدوا وقائع الأحداث وعايشوها، وشاركوا فيها. لم يجبرني أحد، ولا أي من الطلاب والطالبات، على مغادرة مقر المدينة الجامعية حيث كنا نقيم، والمشاركة في مظاهرات رفض استقالة جمال عبد الناصر، ثم تُرى من أجبر مئات آلاف المشاركين العرب في مظاهرات مماثلة، شهدتها مختلف مدن وقرى العالم العربي؟

يمكن إيراد أسئلة أكثر، ومزيد من أوجه المقارنة، إنما الأهم ربما يكمن في الدروس المُستفادة من حالتي الاستقالتين. ولعل الدرس الأول هو أن شخصية «البطل» في الحالتين أقدمت على أفعال أدت إلى انتكاسة أضرت به، وبالمؤيدين له، والأخطر ببلده ككل، فأوجبت بالضرورة أن يُقدم على الاستقالة. الاثنين الماضي، صدرت «الغارديان» اللندنية بعنوان رئيسي يقول إن كبار زعماء «المحافظين» طلبوا من بوريس جونسون التوقف عن الإدلاء بتصريحات، وأن «يصمت... ويذهب بعيداً». هل كان ممكناً للمصريين والعرب أن يطالبوا جمال عبد الناصر بالشيء ذاته؟ سؤال واقعي، ومهم، وصعب، لكن الإجابة تتطلب مساحة أكبر، ومقالاً أكثر عمقاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعتزال جونسون وتنحي جمال اعتزال جونسون وتنحي جمال



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 20:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

مصر تؤكد على دعم سوريا وأهمية حماية المدنيين
  مصر اليوم - مصر تؤكد على دعم سوريا وأهمية حماية المدنيين

GMT 16:48 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إياد نصار يُشوق متابعيه لفيلمه الجديد ويُعلِّق
  مصر اليوم - إياد نصار يُشوق متابعيه لفيلمه الجديد ويُعلِّق

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

GMT 11:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تتفاوض مع شركات أجنبية بشأن صفقة غاز مسال طويلة الأجل

GMT 13:21 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الأهلي يتعاقد مع "فلافيو" كوم حمادة 5 سنوات

GMT 15:07 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 07:34 2018 الأربعاء ,18 تموز / يوليو

شيخ الأزهر يستقبل توني بلير ويعرب عن دعمه لمصر

GMT 06:35 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خروج فتحي وسامي عن قائمة بيراميدز أمام سموحة

GMT 00:26 2021 الأحد ,23 أيار / مايو

عمرو جمال يقترب من الانضمام لـ«بيراميدز»

GMT 11:47 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

شوبير يهاجم الكاف بسبب ملعب مباراة الأهلي وسونيديب

GMT 10:53 2020 الأحد ,13 كانون الأول / ديسمبر

الكاف يبحث مقترحا جديدا بشأن مباراتي الزمالك وبطل تشاد

GMT 04:30 2020 الإثنين ,02 آذار/ مارس

الزمالك يدرس بيع فرجاني ساسي ومحمود علاء

GMT 18:16 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

رينيه فايلر يرفض إراحة لاعبي الأهلي عقب لقاء المقاصة

GMT 04:01 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

Brabus تستعرض أسرع سيارات مرسيدس من الفئة "G"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon