بقلم : طارق الحميد
نحن أمام تصعيد لافت بين إيران وأذربيجان، اللتين تجمعهما حدود بمسافة سبعمائة كيلومتر شمال غربي إيران، وذلك بعد أن بدأت أذربيجان فرض رسوم على الشاحنات الإيرانية، لكن القصة أكبر من قضية الرسوم.
والتفاصيل لمن لم يتابعها هي أن إيران تستخدم طريقاً يربطها بجنوب أرمينيا، وتمر أجزاء منه عبر أذربيجان، وبعد الحرب الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا باتت بعض الأراضي تحت سيطرة أذربيجان، ومنها بلدة يمر فيها الطريق الذي تسلكه الشاحنات.
السؤال هنا، هل يمكن أن تتسبب رسوم طرق على شاحنات إيرانية في اندلاع حرب بين الدولتين؟ أو تستدعي قيام إيران بمناورات عسكرية على الحدود الأذربيجانية؟ الإجابة لا.
إلا أن ما أثار القلق الإيراني هو ما تعتبره طهران «تحركات مشتركة» إسرائيلية أذربيجانية تركية لتغيير الجغرافيا السياسية للمنطقة. وهنا نكون وصلنا إلى لب القصة، حيث هناك قلق إيراني واضح الآن من قصة الحدود الإيرانية المرشحة للالتهاب، وبعد عشرين عاماً من شهر العسل الحدودي الذي عاشته طهران بحماية أميركية من ناحية الحدود العراقية – الإيرانية، والأفغانية – الإيرانية.
بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان وعودة «طالبان»، وحديث عن انسحاب أميركي من العراق، أو تخفيض لعدد القوات هناك، تكون إيران الآن أمام جولة لعب مباريات الإياب الحدودية، بلغة كرة القدم.
إيران استمرأت اللعب خارج أراضيها، وتفاخرت مؤخراً بأن لديها ستة جيوش بالمنطقة، لكن اليوم باتت النار تقترب للحدود الإيرانية من ناحية أفغانستان والعراق، والآن أذربيجان.
لدى طهران قلق حقيقي، حسبما قال لي مراقب، «من تعاظم التقارب التركي الإسرائيلي مع أذربيجان. ولديهم قلق حقيقي من تقارب باكستاني – طالباني». وهذا ليس كل شيء. إذ لدى إيران قلق أيضاً من التقارب الدبلوماسي الإسرائيلي مع بعض دول الخليج، وأبسط مثال الانتقاد الإيراني الحاد إزاء زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي للبحرين.
وعليه فإن القصة الحقيقية في التصعيد الإيراني مع أذربيجان، والتلويح بالعمل العسكري ضدها، يعني أن طهران بدأت تستشعر خطورة حدودها الملتهبة من جهات عدة، حيث بات على إيران اليوم تأمين حدودها بعد لعب مطول على حدود دول المنطقة... من خلال ميليشيات، وعملاء.
حسناً، هل تغامر إيران بالقيام بعملية عسكرية ضد أذربيجان، وكما تلوح وسائل إعلامها، أو كما هدد وزير خارجيتها أمير عبد اللهيان حين قال رداً على تصريحات الرئيس الأذربيجاني بأنها «مثيرة للتعجب ومؤسفة»، وأن بلاده «لا تتساهل مع تحرك أو نشاطات الكيان الصهيوني ضد أمنها القومي، وستقوم بأي خطوة ضرورية في هذا الشأن»؟
الإجابة: ربما. وقد تقود ضغوط الحدود الإيرانية الملتهبة الآن، من عدة جبهات، وكذلك استجابة للأزمات الإيرانية الداخلية، والهوس من مؤامرة خارجية، إيران إلى القيام بعمل عسكري، ضد أذربيجان.
وفي حال حدث ذلك فسيكون بمثابة الخطأ الإيراني الاستراتيجي، وربما كخطأ صدام حسين حين غزا الكويت. حينها تكون إيران وقعت في الفخ الذي تسير نحوه من دون شك في ملفات عدة، وليس الملف الحدودي فقط. حينها ستكون إيران مرمى لسهام حادة، وجادة.