توقيت القاهرة المحلي 03:55:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أحاديث الأكلات والذكريات

  مصر اليوم -

أحاديث الأكلات والذكريات

بقلم - جميل مطر

لكل مرحلة فى العمر «لماتها»، ولمّات فى قاموسى جمع لمّا أى جماعة من ناس مختارة بعناية. وللمرحلة التى أعيشها، وأظن يعيشها طوال العمر من أمثالى. خياراتها الخاصة وخصوصيتها. تنبع هذه الخصوصية من كونها المرحلة التى تنشط فيها وبالأصح تشتعل متألقة الذكريات الطيبة وتختفى الأخرى أو تتوارى تأدبًا أو تعاطفًا، ويتقدم فيها على غيرهم فى الظهور والإقبال الأشخاص الذين عادة ما تسبقهم أحلى صفاتهم. أقصد نفوسًا رائقة وقلوبًا صافية وعاطفة صادقة وعقولًا مبدعة. لا أبالغ. ففى حياتى مررت بمراحل غصت بأناس اجتمعت فيهم هذه الصفات أو أغلبها. هؤلاء جعلوا تلك المراحل مميزة. هاجر منهم من هاجر ورحل آخرون عن عالمى رحيلًا مؤقتًا وعادوا وعاش بعضهم من حولى يغذون مسيراتى. وقد تعددت، بدماء جديدة وأفكار خلاقة وطاقة متجددة.
• • •
لكل «لمة» مناسبتها. أما مناسبة اللمة الأخيرة فكانت اجتماعًا نادرًا لثلاث نساء فى القاهرة، كن قبل سنوات غير معدودة شابات فى مقتبل العمر مقبلات على الدنيا والتفوق فيها إقبال الزهور وتفتحها فى مطلع أيام الربيع. الأولى، وهى نيفين، عادت قبل أيام قليلة من رحلة قامت بها مع أفراد عائلتها المتوزعة بين القاهرة وولاية تورونتو فى كندا. راحت معهم لتحتفل بشفائها من مرض اشتهر بسخفه وعناده وبقدرته الفائقة على التنقل بحرية من عضو فى الجسم إلى عضو آخر. عرفناها قبل المرض وعلى امتداد شبابها الطويل أستاذة كاملة الأوصاف. سمعنا كما سمع غيرنا عن العشق المتبادل مع طلبتها وخطوات مبهرة فى تألقها الأكاديمى منذ سنوات مبكرة كتلميذة فى مدرسة فطالبة فى الجامعة فباحثة دكتوراه ثم أستاذة ومتخصصة فى مادتها يسعى نحوها للاستفادة من قدراتها مسئولون وإعلاميون فى دول عديدة.
• • •
الثانية، هديل، بترتيب وصولها إلى القاهرة من مقر عملها فى الخارج كانت تؤدى أدوارًا متنوعة من خلال عملها مع مجموعة شباب متألقين عملوا وعملت معى قبل أن تسافر. تواصل تألقها فى ميدان تخصصها.
الثالثة، نرمين، أيضًا مغامرة بطبيعتها، قوية فى إصرارها ودقيقة فى خياراتها. انضمت للعمل معى وهى طالبة تدرس العلوم السياسية.. اختارت المطبخ المصرى موضوعا ومحتوى وهوية وممارسة. منه راحت تبحر فى أصول الطبخ ومكانة الأكل فى ثقافة الشعوب. خلال أحد اجتماعات اللمة تجاسرت وألمحت إلى اعتقاد عندى ولم أعرف مصدره خلاصته أن المطعم الفرنسى كما المغربى هما المعبران حقيقة عن حضارة عريقة.
أجابت بذكاء وعن خبرة بأن طرحت أمامنا عددًا من المؤشرات التى تقودنا إلى نتيجة غير متوقعة وهى أن المطبخ الفرنسى قائم أغلبه على دراسات علمية شارك فيها علماء وأدباء وفلاسفة. أما المطابخ الأخرى فتفتقر إلى هذا المؤشر بالغ الأهمية. عدت فى اليوم التالى إلى صديقى الدكتور رجل القانون الدولى المعروف وثقافته الأساسية «علمية فرنسية». طرحت عليه النتيجة التى توصلت لها زميلتى العتيدة فاعترض متهما إياها بالاستسلام لقاعدة "المركزية الأوروبية" مثلها مثل عديد الشبان العرب. يميل الدكتور إلى النظرية التى تعتبر المطبخ فى أى دولة إنما هو وليد السلطة، أو بمعنى أدق، طبقة النخبة بكل أطيافها. عادت صديقتى لتضيف مؤشرًا آخر أثرى بدوره مطابخ عديدة، وهو طريق الحرير. قالت ما معناه إن هذا الطريق ساهم فى صنع ثقافة تعددية فى المطبخ، كما فى غيره اعتنقتها أغلب الشعوب التى مر بها طريق الحرير حتى بعد أن تغيرت مقاصده ومسمياته.
• • •
راحت صديقتنا تؤكد، وبوطنية غير خافية، على ثراء وتعددية المطبخ المصرى. هذا المطبخ الذى صنعته ثقافات متعددة جاءت إلى مصر مع الفاتحين من أقاليم شتى. صنعته أيضًا ثقافة مطبخ نباتية بسبب مدد الصيام الطويلة للشعب القبطى. إلا أنها سمحت لنفسها ببعض الاستثناءات المهمة، إذ ضربت مثلًا بالكشرى فخر هذا المطبخ ورايته المبجلة الذى جاء فى الأصل مع الجنود الهنود الذين استعانت بهم إنجلترا لفتح مصر والإقامة فيها. تضيف الصديقة العزيزة معلومة موثقة تفيد بأن الإيطاليين المقيمين فى مصر أضافوا إلى الكشرى الهندى الأصل الشعرية والمكرونة الصغيرة حتى صار إلى شكله ومكوناته الراهنة.
• • •
سمعت من مصريين وعرب أن صفحة زميلتى نيفين على وسائل التواصل الاجتماعى تحظى بحضور واسع، وأسمع يوميًا عن انبهار جماعة المثقفين والإعلاميين بالتقدم الهائل الذى أحرزته فى صراعها مع المرض وفى كتاباتها المتجددة موضوعًا وهدفًا، كما سمعت منهم أن البرامج التى تعدها للأطفال وتنفذها زميلتى هديل تحظى هى الأخرى باهتمام كبير. وأشعر بالأسف لغياب زميلتين رابعة وخامسة، وإلا لكنا استمعنا إلى نجاحات أخرى وإن فى مجالات مختلفة لم تكن لتخطر على بالنا عندما كان يجمعنا مركز البحوث الكائن وقتها بشارع على ابن أبى طالب بحى المهندسين ثم فى مكتب دار الشروق المطل على ميدان سليمان باشا، ونحن نعد العدة لإصدار مجلة «الكتب: وجهات نظر».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أحاديث الأكلات والذكريات أحاديث الأكلات والذكريات



GMT 19:51 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الموازنة والـمئة دولار !

GMT 09:00 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هل مع الفيروس الجديد سيعود الإغلاق؟

GMT 08:25 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

التغيير في سورية... تغيير التوازن الإقليمي

GMT 08:24 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هذه الأقدام تقول الكثير من الأشياء

GMT 08:23 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

كبير الجلادين

GMT 08:21 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

سوريا... والهستيريا

GMT 08:20 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

جرعة تفاؤل!

GMT 08:18 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

لا يطمئن السوريّين إلّا... وطنيّتهم السوريّة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 19:55 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
  مصر اليوم - أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 13:37 2020 الأحد ,24 أيار / مايو

الفيفا يهدد الرجاء المغربي بعقوبة قاسية

GMT 12:48 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 19 مايو

GMT 16:51 2020 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

إصابة طبيب رافق بوتين في جولة "فيروس كورونا"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon