توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الافتراق حماية للحب!!

  مصر اليوم -

الافتراق حماية للحب

بقلم:جميل مطر

كانا لا يفترقان. تقدما معا للعمل معى كمتدربين. اطلعت على سيرتيهما الذاتية وسألت وتحريت. لا غموض من أى نوع يحيط بأى منهما أو بالعلاقة التى تربطهما. شابان، طالب وطالبة جمعتهما قاعة درس وكراسات متبادلة وقهوة وشاى بالحليب فى كافيتريا الكلية وأستاذ اتفقا على اختياره مرشدا وموحيا ومعلما. طورا بالرضا وما يشبه الحب علاقة أخذت فى البداية شكل ومضمون واسم الزمالة ثم الصداقة الحميمة وفى النهاية ومع اقتراب التخرج عواطف لا يخفيها حرج أو قيود. تعلقا بكل فرصة تتيح لهما الاستغراق فى تفعيل مشاعر الحب المتأجج بالرغبة وطول الانتظار وضغط التمرد على الموروث من التقاليد والقيود. لم تنتظم رحلة إلى خارج أسوار الجامعة إلا وتقدما للاشتراك فيها، ففى هذه الرحلات وبخاصة المتجهة إلى بعيد تزداد فرص الانفراد ببعضهما. بدآها فى سنوات الجامعة الأولى برحلات إلى الفيوم والواحات والإسكندرية وفى السنوات المتأخرة إلى أسوان وسانت كاترين وسيوة وغزة وليبيا حتى جاء الدور على أوروبا.
عرفت منهما، معا أو من كل على حدة، أن كل رحلة من هذه الرحلات تركت علامة على مكان أو آخر من جسديهما أو فى قلبيهما وأحيانا على عقليهما. سمعت منهما معا أو من أحدهما منفردا أو منفردة وصفا أو آخر لشارع فى غزة أو لاحتفال فى قرية فى جبال النوبا القريبة من الأبيض عاصمة الإقليم أو لحانة أو مطعم فى روما فى زقاق ينتهى عند نافورة تريفى. الأوصاف التى سمعتها منهما تختلف فى تفاصيل بعينها عن أوصاف لنفس المكان صغتها ثم حملتها بين ضلوعى لسنوات عديدة. لم أصحح وصفا أدلت أو أدلى به زميلها لأشهر السلالم السياحية فى العالم وأقصد تحديدا سلالم ميدان إسبانيا فى وسط العاصمة الإيطالية، كنت هناك قبل سنوات عديدة شاهدا على ولادة حكايات حب متنوعة أو على النطق بوعود زواج أو على بهجة لا تضارعها بهجة أخرى قابلتها فى أى مكان آخر قضيت فيه وقتا طال أو قصر. سمعت من كل منهما وصفا مختلفا لمصلى سيستينا فى كنيسة القديس بطرس بالفاتيكان. كنت تعلمت فى مرحلة أو أخرى من مراحل نضجى أن نظرتى إلى شيء أو بالأصح ما ينقله بصرى إلى عقلى وإلى وعيى قد لا يتفق بالضرورة مع ما التقطته عين شخص آخر. اعتبرت وصف كل منهما لسقف سيستينا شابل وسلالم ميدان إسبانيا حقا لهما لا أنازعهما فيه، وكذلك وصفهما لليلة ساحرة تفلتا فيها من سلطة الاستاذ المشرف على الرحلة وغابا لينغمسا فى صخب وروعة مقاهى حى التراستيفيرى، وترجمتها عبر التيفيرى، وهو النهر الذى يتوسط جانبا من مدينة روما، المدينة الخالدة حسب رأى وعقيدة سكانها، وربما رأى كل من استوطنها لسنوات أو أيام معدودة.
متعة، وأى متعة!، الاستماع بقلب مفتوح ونفس باحثة عن السعادة إلى فتاة فى العشرين من عمرها تعيش الحب فى مدينة الجمال والمرح، تراه فى كل تمثال وما أكثر التماثيل هناك، وتحس به عند كل لمسة من زميلها المنغمس فى الحب إلى حد لم يحس بمثله من قبل. كم تمنيت وأنا أسمع منهما عن رحلاتهما الداخلية والخارجية أن يكون بينى وبينهم مسجل يسمح لى بأن أسجل لهما كلمات صدرت عنهما، كل كلمة منها بلون أو لحن مختلف. تمنيت لو أن هذا المسجل استطاع أن يسجل فى الوقت نفسه لقاءات حميمة جرت تحت الموائد لأقدام متلهفة لا تشبع ولا تنتظر.
•••
مضت عشرة أعوام من يوم تقدما بطلب أن يتدربا. تزوجا خلالها ونجحا فكان زواجهما نموذجا يحتذى. اتصلا يقترحان لقاء معى فى مكتبى. انتظرتهما بلهفة. وصل منفردا ولحقت به منفردة. اندهشت وازدادت الدهشة عندما التقيا أمامى مرحبين ببعضهما باحتشام. اختارا مقعدين متواجهين وبينهما فراغ واسع، فراغ لا يسمح بتماس الأقدام أو تلامس الأيدى. الفراغ لم يسمح ولا النوايا وربما انحسار الرغبة. لم يكن هناك شك فى أنهما اختارا بدم بارد وعقل ثابت وبعد كل هذه السنوات الرائعة، اختارا أن يفترقا.
لم تكن بيدى حيلة توقف الافتراق ولو باسم هدنة لعل وعسى. الغريب فى الجلسة أنها لم تكن باردة، وبالتأكيد لم تكتنفها أى تصرفات عدوانية. لم أسمع كلمة عتاب واحدة تبادلاها وكذلك لم تبدر من أى منهما كلمة تكشف عن ألم بسبب حب أقام طويلا وغادر. لم أسمع منهما تعريفا يناسب العلاقة التى كانت تربط أو تفصل بينهما فى تلك اللحظات. وجدت صعوبة فى فهم ما يدور أمامى. أهى عاطفة أخرى حلت محل الحب؟ أم هى الحب ذاته ولكن أقل درجة؟ كنت قد سمعت، ولم أتبين شيئا مما سمعت، سمعت أن الحب أنواع أو أنه يأتى ويتصاعد ويغادر متدرجا حرصا على ألا يتسبب فى دخوله أو خروجه فى صدمة أو يترك جروحا صعب أن تندمل. أعرف، على العكس، أنه يأتى فى كثير من الأحيان مفاجئا ويتصاعد بقفزات واسعة ويغادر فى لحظة متسببا فى كوارث. سمعت أيضا أن الزواج القائم على حب قوى نادرا ما يتحول إلى صداقة تؤدى بعض وظائفه وتعوض فقده وتحتوى آلام فراق وتداوى العلل الناجمة عنه. وسمعت النقيض، لا شيء على الإطلاق يملأ الفراغ الذى ينتج عن فراق، لا شيء فى هذه الدنيا يعوض فقد الحب. مرة أخرى أجد نفسى مترددا فى تبنى رأى أو آخر من هذه الآراء والمواقف.
انتبهت على صوتها تستأذن فى الانصراف على أمل عودة قريبة لاستكمال ما بدأنا. توقفت قليلا مترددة ثم أقبلت على صديقها، زوجها السابق وحبها القديم، تحتضنه حضن الأصدقاء وتودعه بطلب أن يبلغنى قرارهما الدخول مشاركة فى مشروع إنشاء مركز تدريب وتقديم استشارات ورأيى فى المشروع. ودعتها حتى باب المصعد، فتحته ودلفت وقبل أن تغلق الباب الداخلى عليها قالت «أعرف أن فضولا يدفعك بقسوة لتعرف تفاصيل أكثر عن أسباب افتراقنا. لقد اتفقنا ألا نخفى عنك شيئا، أسأله إن شئت فهو باقٍ عندك لوقت أطول. أعدك أن أعود غدا أو بعد غد لتسمع ما عندى».
•••
رجعت إلى غرفتى. وجدته واقفا عند الشباك مستغرقا فى النظر إلى أضواء مدينة لا تنام مبكرا كغيرها من مدن العرب باستثناء بيروت والدار البيضاء. بعد قليل استدار قائلا: «أنا تحت أمرك للإجابة على أى أسئلة تتعلق بالافتراق وأسبابه وبالشراكة التى ننوى الإقدام عليها بثقة وجرأة. يجب أن تعرف قبل أن تأذن لى بالكلام أننا مدينون لهذا المكان بأيام هى الأطيب والأحلى. هنا بلغ الحب بنا ذروته قبل أن نتزوج. هنا وجدنا الحماية والحصانة. اليوم اتفقنا أن نأتى إليك لنجيب عن أسئلة من حقك أن تسألها».. قاطعته قائلا، وفى حلقى غصة: «لا ليس من حقى عليكما إشباع فضولى ولكن أعترف أنى أريد أن أستزيد من تجربتكما فى الحب علما وفهما، كنتما فى الحب نموذجا ويبدو أنكما فى الافتراق وما بعده أيضا ستصنعون نموذجا. يا عزيزى لا شك أنك تدرك جيدا أنه فى وقت صار الافتراق أكثر شيوعا من استمرار الاقتران يهمنى بالتأكيد أن أعلم وأفهم.. فتكلم من فضلك».
تكلم فقال: «لن أطيل فقد أخذنا من وقتك كثيرا. أنا مسئول عن جانب كبير مما آلت إليه الأمور بيننا. إحساس فى داخلى بدأ صغيرا. لم أعطه أهمية فراح يكبر. طاردته ولم ينحسر. سيدي!، هل سمعت عن إنسان يشبع من الحب. عشت كما تعلم تجربة حب لا أظن أن كثيرين كان لهم تجربة مماثلة أو حتى قريبة. قليلون كان لهم مثل حظى فى الحب. كنت واثقا أننى ولدت من جديد يوم تعارفنا. أقسم لك أننى لم أحتفظ إلا بالقليل من تقاليد وأخلاق يفترض أننى ورثتها عن عائلتى. كل القيم والصفات التى تميزت بها تشربناها معا. صنعنا أسطورة وعشنا تحت ظلالها. تخرجنا وخرجنا إلى العالم لنعمل، هناك كان يغلب الإحساس بأنى غريب عن المكان. كنت أتعامل كالسائح القادم من ثقافة أخرى، ثقافة سلم وثقة وجودة عالية والتزام بالكلمة والوعد. كدت يوما أصرخ فى الناس أنا لست منكم. أنتم تكذبون وتسرقون وتغشون وتحسدون لأنكم لم ترضعوا أو تتشربوا ثقافة الحب. أنا رضعتها وتشربتها على طريقى من المراهقة إلى الرجولة. أنتم مختلفون.
لا تفسير عندى ولا أنا أبرر. إنما أنتهز الفرصة لأسألك هل تصرفاتى تعكس جانبا من ظاهرة تمرد الرجل على الاستقرار. قيل ويقال إن الرجل يقاوم النطق بكلمة الحب بل ويخشاه، وبخاصة هذا النوع القوى منه، لأنه يصنع حياة أمثل لا موضع فيها لتحولات ومغامرات. الحب فيها هو الثابت الأعظم والقيمة الأعلى. الحب آلة ونحن تروسها. سيدى، تمردت لأنقذ الحب ورفيقة عمرى من عواقب انصياعى واستسلامى له. أغفر لى إن كنت أخطأت أو تجاوزت. أستأذنك فى الانصراف على وعد بالعودة بعد أن تكون استمعت لها».
•••
مشيت معه لأودعه كما ودعتها عند باب المصعد. استدعينا المصعد. وصل بعد تلكؤ لحسن حظى. لم أكن لأجد ما أعلق به بدون التروى. قلت مودعًا: «بيننا موعد قريب نحدده بعد لقاء مقرر مع رفيقة حياتك وقد صارت شريكتك فى مشروع عمل. شتان يا صديقى بين الاثنين. يهمنى الحب وما فعلتما به. يبدو لى آسفا أن اهتمامكما انصب على مصيركما وتجاهلتما مصيره، لا أعاتب فالحكاية لم تكتمل عندى فصولها. أجازف على كل حال وأهمس مترددا، لعلك يا بنى ظلمت الحب. يخفف عنى أنك لم تنقلب عليه وأملى كبير فى أن أجد عندها ما يجدد ثقتى فيكما.. وفيه».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الافتراق حماية للحب الافتراق حماية للحب



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon