توقيت القاهرة المحلي 22:22:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أنه عالم كذاب كذاب كذاب

  مصر اليوم -

أنه عالم كذاب كذاب كذاب

بقلم:جميل مطر

صار يهف من ذاكرتى خلال الأسابيع الأخيرة عنوان وتفاصيل فيلم سينمائى أظن أنى شاهدته فى السنوات الأولى من عقد الستينيات. كان العنوان «أنه لعالم مجنون مجنون مجنون» ومخرجه ستانلى كرامر وممثلة ميكى روونى النجم الذى أحببت وأنا أمر سريعا فى عز سنوات شبابى. أما التفاصيل فتحكى قصة مجموعة أصدقاء تشابهت ميولهم وتجمعهم قيم إنسانية رفيعة وعلاقات طيبة سمعوا ذات يوم عن كنز مدفون فى بقعة من غابة قريبة. راحوا يتسابقون. انطلق السباق هادئا ثم ساده المرج والهرج وبعد مسافة ووقت استبدت بالمتسابقين حالة قصوى من الجشع فاختلفوا وانحدر الاختلاف إلى الاشتباك منتهيا بالاقتتال. جرى كل هذا فى سياق كوميدى اختلط بسخرية لاذعة أثارت فى المتفرجين أحاسيس متنوعة. وهو ما أكدته صديقة جديدة فى لندن وأضافته من معلومات استعنت بها. ذكرت أيضا أن الفيلم حصل وقتها على جائزة دولية كبيرة وحاز على شعبية فائقة.

الآن فقط صرت أعرف السبب فى أنه خلال الأسابيع الأخيرة عاد هذا الفيلم يحتل عندى حيزا من الاهتمام متزايدا فى الاتساع وفى العمق على حد سواء. كنت أقرأ كل ما ينشر عن صراع الكبار على أوكرانيا وأسمع كل ما يذاع وأشاهد كل ما يعرض. بمرور الوقت وجدت نفسى لا أقرأ وأسمع وأشاهد إلا بعضا من كل ثم أصبحت أكتفى بالنتف حفاظا على إمكانات الوقت المخصص لمهام المتابعة والتحليل بعد أن استقر عندى وعند كثيرين غيرى شعور مؤكد باتساع الهدر فى هذه الإمكانات على ما لا يفيد.

انتهيت إلى قناعة أن أكثر ثم كل ما أقرأه وأسمعه وأشاهده حول موضوع أوكرانيا بعيد عن الصدق. تأكدت مما انتهينا إليه حين سمعت وقرأت ورأيت أن جميع أطراف هذا الصراع راحت تتبادل الاتهام بالكذب. الغرب لا يجد فى بيانات روسيا غير الكذب وروسيا تتهم الغرب والأوكرانيين بالكذب والصين تشك فى صحة مواقف الطرفين وإن لم تفصح إلا عن القليل، وهذه فى حد ذاتها موقف لا يبتعد كثيرا عن حالة الكذب السائدة فى الخطاب السائد بين الأطراف المباشرين فى الحرب.
• • •
أتوقف قليلا هنا. نعم اخترت الصين لأنها فى نظر دول العالم النامى لا تزال تحتل إحدى الصفات التى عرفت بها فى سنوات نهضتها الأولى أو التى اعتنقتها لفترة من الزمن وكانت هى نفسها فخورة بها. فى مقابلة فى بكين العاصمة مع شو اين لاى رئيس وزراء الصين المخضرم وشريك هنرى كيسنجر فى عملية إخراج الصين من عزلتها التى فرضها عليها الغرب، أذكر أنه خلال النقاش الذى دار بينه وبين الزميل الراحل محمد سيد أحمد حول الخلاف الناشب لفترة غير قصيرة بين الاتحاد السوفييتى والصين قال أن العالم ينقسم قسمين، قسم نطلق عليه فى فكرنا الأيديولوجى صفة «المدينة العالمية» وهو القسم الذى يضم أمريكا وأوروبا والاتحاد السوفييتى، أما القسم الثانى الذى نطلق عليه صفة «الريف العالمى» فهو الذى تنتمى إليه الصين وبلدكم، ويقصد مصر، وغيرهما من دول العالم الثالث. أضاف قائلا إن هذه الدول لا ولن تمارس الهيمنة التى تمارسها دول الغرب والاتحاد السوفييتى لأنها عانت كثيرا وطويلا من الهيمنة الإمبريالية.

مشكلتى مع هذا التحليل، وقد أعلنتها فى وقتها، أن الصين سوف تنهض وقد تصبح قوة عالمية، فهل يصيبها ولو رذاذ مما جبلت عليه قوى الهيمنة فى «المدينة العالمية»؟. وإذا كنا نتفق على أن العالم بالفعل ينقسم إلى نوعين، نوع بالممارسة والتجربة عرفناه أقرب إلى قيم الشر والجشع والتوحش، ونوع بالممارسة والتجربة أيضا عرفناه أقرب إلى قيم الخير والشرف والصدق، وأننا بالفعل وقد عقدنا لأنفسنا مؤتمرا فى باندونج ومشينا سنوات على نهجه، فإننا الآن وبعد مرور أكثر من ثلاثة أرباع القرن نجد صعوبة، أو استحالة فى الواقع، فى عقد اجتماع مماثل لاجتماع عام 1955. أحيانا نتصور أن عالم الخير والطهارة والطيبة تفكك أو تحلل واندمجت أجزاء منه وبعض مكوناته فى الكل الكبير، أى فى عالم الشر والجشع والكذب، ولكن دون أن يكتمل نمو هذه الأجزاء والمكونات وتنهض مثلما نهضت الصين.
• • •
أتابع كثيرا وانسحب أحيانا. أتابع فأجزع فأنسحب ثم أعود بحكم العادة. أتابع الضغوط التى تمارسها دول الغرب وبخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وبيروقراطية الاتحاد الأوروبى وبعض دول التماس مع الاتحاد الروسى. تابعت ما حدث مع حكومة عمران خان فى باكستان ولم تنقذه علاقاته الوثيقة بالصين جارته الكبيرة. تابعت وجزعت. تابعت دفقات متتالية من الكذب من كافة أطراف السياسة فى باكستان وفى الغرب انتهت جميعها بخروج مخزٍ للزعيم الذى تحدى ثم تصدى قبل أن ينزاح بفعل فاعل. كذب طويلا وكذب أخيرا. أتابع، وللأسف أيضا، الضغوط الصاخبة والمذهلة فى آن، على الزعيم الهندى نارندرا مودى وجماعته فى الحكومة المركزية وحكومات الولايات. حتى هذا الرجل، وتحفظاتى عليه ليست قليلة ومنها أو على رأسها النقص فى الصدق وفى الإنسانية رغم تشدده الدينى وتطرفه العرقى، جزعت من حجم الضغوط وقسوتها على مستقبل الهند لو أن السيد مودى لم يستجب وبقى رافضا وقف التعاون مع موسكو والتوقف عن ممارسة سياسات عدم الانحياز عند التعامل مع أطراف الأزمة الأوكرانية.

أتابع أيضا الضغوط من كل أطراف الحرب الأوكرانية على دول الخليج المنتجة للنفط. مطلوب من هذه الدول أن تزيد من إنتاجها النفطى بهدف محدد وهو الإضرار بمصالح روسيا العضو الأحدث والمتزايد الأهمية والنفوذ فى منظمة المنتجين للنفط. أجزع كلما فكرت فى احتمال أن تطول الحرب فتلجأ دول الغرب وبخاصة الولايات المتحدة إلى تكثيف ضغوطها أو تنويعها غير واعية إلى أن هذه الدول كانت إلى عهد قريب من الحلفاء الدائمين للغرب. من الناحية الأخرى تضغط روسيا بسلاح الحبوب وبالأسلحة الأخرى حتى لا يخضع منتجو النفط ومنهم إيران لضغوط أمريكا فيميلون إلى الجانب الآخر فى هذه الحرب.
• • •
يقال أن عدد العقوبات المفروضة على روسيا وقياداتها تجاوز الرقم 6000 عقوبة. العقوبات بهذا الحجم والعدد تشكل تطورا فى العلاقات الدولية غير معهود وغير مقبول، صارت مثلها مثل العدوان العسكرى والغزو الفعلى من دولة على أخرى بل واحتلالها. أظن أنه الرادع الأعظم الذى يمكنه نظريا إجبار الصين على التروى طويلا قبل اتخاذ قرار لاستعادة سيادتها على جزيرة تايوان الصينية تاريخا وعرقا. وفى رأى معلقين وأكاديميين أمريكيين هو الرادع الذى يكفل عودة الدول غير المنحازة فى الحرب الأوكرانية «إلى رشدها». الجدير بالذكر أن المواجهات فى السياسة الدولية إذا اقتربت إلى هذا النحو من الحالة الصفرية فإنها فى الغالب سوف تنحو مناحى العنف العشوائى وأحوال الفوضى الشاملة.
من حقنا أن نجزع.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أنه عالم كذاب كذاب كذاب أنه عالم كذاب كذاب كذاب



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon