توقيت القاهرة المحلي 00:06:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ساعدناها تتمكن وتتحرر..

  مصر اليوم -

ساعدناها تتمكن وتتحرر

بقلم - جميل مطر

فى يدى فنجان القهوة يقترب من فمى ومن خلفى صوت مبتهج بالفرحة الحقيقية صادر عن امرأة دخلت لتوها من باب المقهى، الصوت منتعش ولكن أيضا عالى النبرات واضح الغرض وهو إبلاغ مجموعة نساء يشغلن المائدة الأقرب لمائدتى بالرسالة التالية «الحمد لله، ما أروعكن معا، صديقات العمر مجتمعات ولا رجل واحد بينكن».
• • •
نظرت حولى. الموائد فى المقهى كثيرة، كلها باستثناء مائدتين أو ثلاث تحتلها سيدات. الرجال فى المقهى على اتساعه قليلون يحتلون منفردين موائدهم، كحالتى. بقية الموائد تجلس حول كل منها جماعة نسائية بأعداد تتراوح بين ثلاث نساء وعشر. لحظتها تذكرت عشاء عمل قبل يومين فى مطعم كبير لفت نظرى زميل جلس بجوارى إلى حقيقة أن معظم موائد المطعم تشغلها نساء من كل الأعمار وبخاصة من متوسطات العمر وأن الزبائن من الرجال نادرون وبعضهم بصحبة زوجاتهم.
سألت أقارب وقريبات وزملاء وزميلات فأكدوا جميعهم أن ملاحظتى تعكس ظاهرة حقيقية وملموسة، وهى أن النساء أصبحن بالفعل يفضلن الخروج فى جماعات نسائية أكثر من أى وقت مضى، وذهب العديد ممن تحدثت معهن إلى القول بأن أكثرهن يفضلن هذا الوضع عن الخروج فى جماعات مختلطة. أمسكت بهاتفى ورحت أطلب صديقات وزميلات فى دول عربية لأسألهن عن الظاهرة إن وجدت فى بلادهن. جاءت الإجابات تؤكد وجودها.
• • •
انتهت مرحلة التعرف على الظاهرة وبدأت فى إثرها مرحلة إطفاء فضولى لمعرفة أسبابها. لم يغب عن بالى طول الوقت ما حفلت به ذكرياتى عن سنوات طفولتى وبخاصة عن أيام نهاية الأسبوع فيها. أذكر تماما وبكل الوضوح صورة الأهل وقد اجتمعوا فى بيت جدتى. أذكر جيدا أن الرجال، وأقصد الأزواج فى عائلتى، لم يكونوا يحضرون هذه الاجتماعات الأسبوعية. كانوا يلتقون فقط فى مناسبات بعينها وهى العزاء وزيارة المقابر والأفراح. أكاد أكون واثقا من أن أبى ما كان ليتعرف فى الطريق العام على إحدى خالاتى لو تلاقيا صدفة. حكيت هذه الواقعة من ذكرياتى لكل من شاركنى البحث عن إجابات لأسئلة تسعى لإشباع فضولى. هل الظاهرة قديمة قدم المجتمعات الإنسانية أم أننا أمام شكل جديد لها أو أننا أمام ظاهرة أسبابها جديدة تماما.
• • •
بين من سألت كانت السيدة نفسها التى دخلت المقهى مبتهجة لمنظر صاحباتها وقد اجتمعن بدون رجال. قدمت نفسى لها فى تقديم مطول كشفت فيه عن فضولى معرفة سر ابتهاجها بخروجها المتكرر منفردة، سألتها إن كانت تتعمد النأى بنفسها وزوجها عن الخروج ضمن مجموعات مختلطة الجنس، أجابت، «بلى، نخرج والأولاد معنا فى الإجازات والأعياد». ثم أضافت بالسؤال إن كنت أدرى أو لا أدرى أن رجل اليوم يفضل قضاء وقت أطول فى البيت منفردا. زوجى لم يعد يخرج كما كان يفعل فى أولى سنين زواجنا، كما أنه لم يعد يعترض على خروجى بدونه».
استطردت تجيب بأن «امرأة اليوم تعلمت وصار لها رأى فى قضايا كثيرة كان الرجال يحتكرون الرأى فيها والمناقشة أيضا. دعنى أعترف بأننى لم أعد أتقبل الكثير من آراء زوجى بل وأعترض عليها أمام زملائه وأصدقائه. يريد فرض رأيه وهو يعلم كم أنا أكره فرض الرأى. نحن النساء تغيرنا. أنا بالتأكيد لست مثل أمى ولا أقول جدتى التى أختلف معها كل الاختلاف فى علاقاتها بجدى وأولادهما. نحن معشر النساء، صارت لنا اهتماماتنا ولنا أولوياتنا المختلفة مع اهتمامات أزواجنا وأولوياتهم. واقع الأمر، ولعل حضرتك توافقنى، أن المرأة بحكم أنها تعلمت واشتغلت وخرجت من بيتها صارت تقضى مع رجال آخرين وقتا أطول من الوقت الذى تقضيه مع زوجها وتتخذ قرارات كانت فى السابق من اختصاص الرجال».
• • •
تحدثت مع أخريات من جميع التخصصات والفئات والطبقات. كنت متيقنا من أن فى داخلى دوافع أخرى غير مجرد السعى لإشباع فضول. شىء ما كان يثير القلق فى نفسى. هذا البيت الذى خرجت منه سيدة البيت إلى الشارع أو إلى المقهى أو النادى إلى متى سوف ينتظر عودتها كما عرفها فى سابق زمانهما؟ وإن عادت فهل سوف تجد البيت مرحبا وراضيا أم طاردا وغاضبا. سألت سيدات، أكثرهن أقسمن على أن البيت أفضل حالا مما كان عليه حين كانت سيدته مقيمة فيه دواما كاملا. إن خرجت فهى تخرج لأداء مهام سريعة كالتبضع أو لزيارة طبيب. تعود مسرعة خشية أن يأتى سيد البيت فلا يجد الغداء جاهزا ودافئا وفراشه مرتبا ومستعدا لاحتوائه ساعة القيلولة. وسألت وسألت. سألت واحدة قادت لمدة طويلة حملة لتمكين المرأة، أى إعدادها لتكون امرأة مؤمنة بقوانين الحرية الفردية كما فى دول الغرب. الغرب الذى يحاول تشكيل العالم على صورته.
قالت تعليقا على ما ذكرت وتحريت وإجابة على ما سألت وبخاصة سؤال عن الانفراطات العائلية الناتجة عن ظاهرة الزيادة المكثفة لحالات الطلاق فى مصر، «يا صديقى لعلك لا تعرف أن المرأة المصرية الجديدة، المتعلمة أو المثقفة أو العاملة، اختر منهن من شئت، ما تزال تعتبر نفسها ضحية ثورة يناير، ثورة ميدان التحرير. هذه المخلوقة امرأة متمردة. لوحوا لها فى الميدان، وفى ميادين أخرى كثيرة، بمستقبل يكسبها هيبة، ويسبغ على عائلتها نعما وخيرات وفيرة. لم يحدث. «هذه الدولة خرجت من الثورة أشد بأسا وانتقتها مع مثيلاتها لتمارس عليهن القسوة. خرجت دولة قاسية. الأحلام انقلبت أوهاما، والأمل صار يأسا. تمردت النساء على أزواجهن. من يومها راح الزوج يتصرف كالمأزوم. والزوجة تتصرف بعناد ورغبة فى الانتقام كما لو كان كل الرجال مسئولين عن أزمات الدولة وأزمات البيت. انفرطت بيوت وتفسخت بيوت أخرى. انتقلت الزيادة فى حالات الطلاق من سنوات أواسط العمر إلى السنوات الأولى وأحيانا الشهور الأولى من الزواج، حتى قيل إن زيجات كثيرة تنتهى بعد أيام من العودة من شهر العسل».
• • •
أدخل بيوتا عريقة وبيوتا حديثة لا أقابل فيها من تشبه جدتى ولا من يشبه أبى أو أصدقاء أبى. لا أبحث فيها عن نموذج (سى السيد) ولكنى أنقب بين الأزواج عن رجل عرف كيف يقود سفينة الزواج فى بحر هائج، أمواجه متلاطمة تتقاذف فيما بينها ضحايا كثيرين. أعرف أنه موجود، وحتما سوف أعثر عليه. لا أبحث فيها عن نموذج «أمينة» زوجة «سى السيد»، ولكنى أنقب بين الزوجات عن امرأة عرفت كيف تختار من بين الفرص العديدة المتاحة تلك التى تحقق التكامل فى البيت بين رجل وامرأة، امرأة عرفت كيف تتفادى اختيار الفرص التى تباعد بينهما. امرأة لا تتعامل مع الرجل كمنافس ترقى المنافسة معه إلى مستوى العداء أو الصراع الدائم، امرأة تدرك أنها لا تسعى لتحتل مكان الرجل فى البيت أو مكانته أمام أولاده وأصدقائه، امرأة لا تخجل من السعى لمعرفة إيجابيات أمها أو تتردد فى الاقتباس من سلوكيات نساء فى مجتمع حقق أعلى نسب الوفاق واستقرار العائلة الصغيرة.
• • •
أشعر أن هذه المرأة موجودة وحتما سوف أعثر عليها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ساعدناها تتمكن وتتحرر ساعدناها تتمكن وتتحرر



GMT 21:16 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

ظاهرة إيجابية بين الأهلى والزمالك

GMT 09:33 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

ترتيبات استقبال الإمبراطور العائد

GMT 08:36 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مجدي يعقوب والعطاء على مشارف التسعين

GMT 07:59 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

هل مسلحو سوريا سلفيون؟

GMT 07:58 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

عند الصباح

GMT 07:57 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أزمة الغرب الخانقة تحيي استثماراته في الشرق الأوسط!

GMT 07:56 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

القرضاوي... خطر العبور في الزحام!

GMT 07:54 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مخاطر الهزل في توقيت لبناني مصيري

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:01 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة
  مصر اليوم - أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة

GMT 09:38 2024 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

أفضل ماركات العطور النسائية للخريف

GMT 01:24 2018 الخميس ,28 حزيران / يونيو

تذبذب أسعار الدواجن في الأسواق المصريةالخميس

GMT 21:46 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

تعرَف على جمال مدينة "دهب" جنوب سيناء

GMT 18:21 2024 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

أهمية تناول المكملات الغذائية يومياً

GMT 10:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار تنسيق موديلات عبايات أسود وذهبي للمناسبات

GMT 00:30 2021 الأربعاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

عطل في تطبيق جيميل Gmail والمستخدمون يلجأون لتويتر

GMT 09:01 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

ليلى طاهر تعلن اعتزالها التمثيل دون رجعة

GMT 21:32 2021 السبت ,04 أيلول / سبتمبر

أفكار لتنسيق السروال الأبيض في موسم الشتاء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon