توقيت القاهرة المحلي 22:56:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مستقبل غزة.. نفكر بيوم تالٍ واليوم السابق لم يغادر تمامًا

  مصر اليوم -

مستقبل غزة نفكر بيوم تالٍ واليوم السابق لم يغادر تمامًا

بقلم - جميل مطر

يحلمون بغزة وقد رحل عنها الاحتلال وعادت إلى حكامها وتدفقت عليها أموال عربية وأوروبية لإعمارها، أو عادت ومعها الضفة الغربية ليرفعا معًا علم فلسطين، الدولة المستقلة المناضلة لتحرير فلسطين التاريخية ذات يوم قريب أو بعيد. يحلم بها غيرهم وقد أفرغت من كل سكانها، وقامت فيها مستوطنات ومدن بأسماء عبرية يسكنها يهود جاءوا من كل الأصقاع هاربين من أحكام أو متآمرين على بلاد ولدوا فيها أو مغامرين ومتطرفين وحالمين. آخرين، وهم كثر، يحلمون بعودة كل شىء إلى ما كان عليه قبل السابع من أكتوبر. هؤلاء غارقون فى الحلم أو فى الوهم بأن التاريخ معهم والمستقبل قدر مكتوب وواجبهم حماية الوضع القائم، أى حماية الاستقرار والرضا بما فرض عليهم على أمل أن يأتى الأحسن متدرجًا بهدوء وسلام.

• • •

كل هؤلاء عيونهم على «اليوم التالى». أكثرهم متجاهل حقيقة أن اليوم السابق على السابع من أكتوبر ما يزال حيًا ومتشبثًا بما تحقق أو بما يسعى لتحقيقه. نعم، خلخل الطوفان فى مسيرته ثوابت مهمة، مثل قوة الردع الصهيونية سواء وجدت على أرض فلسطين أو فى مواقع الهيمنة، كما فى واشنطن وباريس وبرلين ولندن، أو فى داخل دول عربية وغير عربية فى منطقة الشرق الأوسط. كشف أيضًا درجة انحدار مكانة وقدرات قوى دولية وإقليمية، ومن هذه الأخيرة إسرائيل نفسها كقوة إقليمية وأمريكا كقوة دولية. كشف فى المقابل عن درجة نهوض سياسات وأدوار قوى دولية وإقليمية أخرى، ومن هذه القوى الصين وروسيا وإيران وقوى المقاومة الوطنية المتجددة دائمًا. عيون كل هؤلاء وعقولهم على اليوم التالى، وليس على اليوم السابق الذى لم يغادر والأدلة كثيرة على أنه لم يغادر تمامًا، من هذه الأدلة:

أولًا: يستمر التصعيد الإسرائيلى فى الضفة الغربية بنفس منوال اليوم السابق للسابع من أكتوبر. لم تتوقف السلطة الإسرائيلية وعصابات المستوطنين عن شن حملات الدهم للبيوت فى مختلف مدن ومخيمات الضفة. بمعنى آخر استمرت إسرائيل تقتل الفلسطينيين وفى الوقت نفسه استمرت، تدرى أو لا تدرى، تدفع الشباب الفلسطينى نحو الاستعداد ليوم الثأر والتحرير. إسرائيل مستمرة فى بناء المستوطنات على أراضٍ فلسطينية ومستمرة فى حرق المزارع وأشجار الزيتون وقتل الأطفال.

ثانيًا: إسرائيل اتجهت خلال السنوات الأخيرة نحو تطرف يمينى أشد وجديد فى أساليبه وأهدافه. اليوم، كما اليوم السابق على حرب غزة، إسرائيل تحكمها سلطة صهيونية إرهابية الأفكار والوسائل، أشد خطرًا على السلم الإقليمى والعالمى من داعش وإخوتها. تحمى إرهاب المستوطنين وتخطط بعلانية وبالجهر الممكن لعمليات إبادة للفلسطينيين أو تهجيرهم.

ثالثًا: تقوم فى رام الله حتى ساعة كتابة هذه السطور سلطة فلسطينية تزعم أنها تحكم باسم منظمة التحرير الفلسطينية وهى بالفعل لا تحكم. المحتل الصهيونى يحكم والسلطة الفلسطينية متهمة بأنها تؤمن ظهر المحتل ولا تقف عائقًا أمام حملات المستوطنين وغارات سلطة الاحتلال. اليوم، كما اليوم السابق على حرب غزة، الضفة الغربية تغلى بالغضب المزدوج، غضب على المحتل وغضب على وكيله الفلسطينى. بفضل أوسلو وبالرغم منها صارت السلطة فى نظر العالم الخارجى وكيلًا لدولة الاحتلال. بقيت فى رام الله مجرد رمز لا يضر المحتل وبالتأكيد وحتى الآن غير مفيد لفلسطين.

رابعًا: تصادف الطوفان مع استعدادات تجرى فى أمريكا لانتخابات رئاسية فى العام التالى. انتخابات أمريكا حدث عظيم لاختبار النوايا وتوزيع الخيرات وسوق رائجة لبيع النفوس والأصوات. الخطط لها محكمة ومدروسة بعناية فائقة من جانب مراكز القوة الحقيقية فى الدولة. لذلك غير مستحبة بل ومكروهة بشدة المفاجآت والأحداث غير المتوقعة، وهذه إن وقعت فالتعامل معها يكون بقسوة وعنف لازمين. كانت أحداث السابع من أكتوبر وما تلاها من أحداث مفاجآت غير مستحبة بل ومكروهة. يبقى العام الجارى حتى قرب نهايته عام انتخابات وفى الوقت نفسه عام التعامل مع الطوفان وتداعياته. يبقى أيضًا درسًا فى تاريخ العقود الأخيرة من حياة إمبراطورية عظمى.

خامسًا: عاشت حماس فى غزة تدير وتحكم فى غياب تعاطف، ولا نقول حماية، معظم دول إقليم الجوار العربى. كتائبها سجلت مقاومة مشهودة فى حرب طالت ضد قوة شهدت لها دول الغرب ودعايتها بالموقع المتفوق بين قوى الحرب والغزو العالمية. فرضت بمقاومتها وحسن تخطيطها؛ احترام فريق مهم من خصومها فى المنطقة، أجبرته على الإشادة بإنجازاتها وصمودها إرضاء لمشاهديها ليس فقط فى الوطن العربى وإنما فى كل أنحاء العالم. أخرجت بنفسها الطويل الطلاب فى الجامعات الأمريكية أحد أهم حصون الصهيونية العالمية ومصنع عقولها ومعمل تفوقها التكنولوجى، أخرجتهم فى عام انتخابات من قاعات الدرس إلى ساحات الاحتجاج والمساندة، ثم إلى ما هو أهم، إلى شاشات التليفزيون التى تحتكرها لمصلحتها مؤسسات الصهيونية العالمية المهيمنة على مصارف وشركات سلاح عملاقة ومراكز للعصف الفكرى. لا أتصور أن إسرائيل وقوى الصهيونية سوف تسكت على حلقات مسلسل انحسار قوتها أو على الشروخ التى صارت تهدد دروعها العالمية.

سادسًا: لا تزال آمال إسرائيل والصهيونية العالمية معلقة بما بدأت الولايات المتحدة ودول فى أوروبا وبخاصة ألمانيا من إجراءات لشل حركة حماس وتعزيز سياسات الفصل والوقيعة بينها وبين أكثرية الدول العربية وكذلك بين هذه الدول وإيران. من ناحية أخرى أدرك الغرب حقيقة أن حماس ظاهرة متكررة فى تاريخ النضال ضد الاستعمار. القضاء عليها غير ممكن طالما بقيت الحاجة إلى حركة مقاومة. من ناحية ثالثة، اتضح أن الموقف الذى اتخذته دولة اتحاد جنوب إفريقيا فى شأن التوجه بقضية غزة لمحكمة العدل الدولية لم يكن سوى قمة جبل جليد تتحرك تحته بوادر موجة من موجات ثورة إفريقية عارمة نشبت بشائرها فى أوائل نفس العام فى منطقة الساحل، هدفها الإطاحة بهيمنة الغرب على القارة.

• • •

تجتمع أمامنا الآن عناصر تشترك بوجودها وحركتها فى صنع وصياغة فصل جديد من فصول الغزوة الصهيونية ليس فقط فى فلسطين وغيرها من أوطان العرب وجيرانهم لكن أيضًا فى العالم بأسره. ما حدث حتى الآن قد يبدو لمراقب أو آخر تغيرًا طارئًا فى ظروف استثنائية قابلًا للتصحيح عند زوالها. وقد يبدو لمحلل متريث تحولًا جوهريًا ليس فقط فى نمط سلوك دولة عظمى ودول كبرى فى قارة شاخت، وفى قواعد وأساليب عمل الصهيونية باعتبارها شبكة هيمنة عالمية مترامية الأطراف والأهداف، لكن أيضًا وبشكل جذرى فى نمط توزيع القوة وتوازناتها فى إقليم الشرق الأوسط.

الصدام متوقع بين واقع ينحسر بجلبة شديدة وكلفة عالية وبين مستقبل زاحف بعناصر تعكس تحولات جذرية فى الهياكل والسياسات. مستقبل يهدد قلاعًا كان الظن أنها راسخة الأسس وقوية المعتقد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مستقبل غزة نفكر بيوم تالٍ واليوم السابق لم يغادر تمامًا مستقبل غزة نفكر بيوم تالٍ واليوم السابق لم يغادر تمامًا



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon