توقيت القاهرة المحلي 16:35:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بين أفول نظام دولي وميلاد آخر.. سنوات صعبة

  مصر اليوم -

بين أفول نظام دولي وميلاد آخر سنوات صعبة

بقلم - جميل مطر

 نعيش مرحلة غير عادية. نسأل كثيرا ونتساءل أكثر. نعرف أن تيارات تجرفنا ولكن إلى أين، لا ندرى. العالم من حولنا يتغير وما زال السؤال يلح إن كنا حقا تغيرنا معه. تثبت الأيام الصعبة التى نمر فيها أن أحداثا عظام وقعت ما كان يجب أن تقع وأن أحداثا كثيرة عادية لم تقع وكان يجب أن تقع. أتحدث هنا عنا كعرب رغم علمى أن العروبة لم تعد بالضرورة هوية كل العرب.

• • •

أتحدث أيضا باسم جيل كان شاهدا على نشأة نظامين فى لحظة كادت تكون واحدة. جيل كان شاهدا على ميلاد نظام دولى جديد عرفناه باسم نظام القطبين وميلاد نظام إقليمى جديد أطلقنا عليه النظام الإقليمى العربى. تأثرا ببعضهما أيما تأثير. تأثر نمط التحالفات فى النظام العربى بنمط وطبيعة التحالفات فى النظام الدولى، وتأثر نمط السلوك السياسى للدول القائدة فى كل نظام بنمط سلوك الدول القائدة فى النظام الآخر. أصبحنا لنجد فى النظام العربى دولا تنهج نهجا يساريا وأخرى ترفع شارات اليمين بكل تياراته وأنواعه، ولكل دولة انحيازاتها الحرة فى سياساتها الخارجية نحو قطب بعينه.

• • •

هذا الجيل نفسه كان شاهدا على تحول هائل فى شكل وهيكل النظام الدولى من شكل وهيكل النظام الثنائى القطبية إلى شكل وهيكل نظام أحادى القطبية، وهو النظام الذى استحق بسلوكيات قائده وتصرفاته ونمط تحالفاته أن يسمى بنظام الهيمنة. هيمنت الولايات المتحدة على النظام الدولى وصارت تؤثر مباشرة وبقوة فى نمط تحالفات وتفاعلات الدول الأخرى المنضوية تحت عنوان نظام إقليمى أو آخر.

بدأنا نشاهد آثار هذا التحول علينا فى أواخر القرن الماضى. لم يكن غريبا، وإن بدا لنا خطيرا، الانحسار الواضح فى التزام دول النظام الإقليمى العربى الانتماء إلى العروبة عقيدة أو هوية. لاحظنا، وكنا نتابع عن كثب بعد أن كنا، أنا وفريق باحثين ومهتمين، نتابع من داخل مؤسسات النظام الإقليمى كالجامعة العربية ومنظماتها المتخصصة، كيف أدت نهاية القطبية الثنائية فى النظام الدولى إلى تراجع حاد فى الخطاب القومى، مضمونا وترديدا. رأينا أيضا كيف، وبسرعة، توقف أو كاد يتوقف السعى نحو تحقيق تنمية إقليمية عن طريق تنفيذ مشاريع تكاملية، ولا أقول اندماجية. رأينا، وهو الأخطر، سقوط دول عربية، الواحدة بعد الأخرى، فى مستنقع الانفراط أو الفوضى الداخلية. فى بعض الحالات كان السقوط، وما يزال، رهيبا ومكلفا لارتباطه بأوضاع طائفية عاشت هادئة لسنوات فى كنف سيادة الخطاب القومى وعلو صوت العمل العربى المشترك. المهم فى هذا المجال التصريح بأن الولايات المتحدة كانت طرفا مؤثرا وفاعلا فى معظم هذه الحالات ولا تزال قواتها العسكرية فى دول عربية مقيمة لا تغادر.

• • •

لا شك أن المرحلة التى هيمنت فيها دولة واحدة على النظام الدولى كانت من أسوأ المراحل التى مر بها هذا النظام، ولعل السبب يكمن، على الأقل من الناحية النظرية، فى أن أمريكا باعتبارها القطب المهيمن، لم تكلف نفسها عناء وضع قواعد عمل جديدة تتناغم والتحول الهائل من نظام ثنائى القطبية إلى نظام القطب الواحد. إذ راحت أمريكا تتعامل مع منظومة قيم وضعت فى ظل توازن دولى معين وبالتأكيد لا تصلح فى ظل هيمنة قطب واحد، حتى إن كان هو نفسه القطب الذى شرع قواعد المرحلة، مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

• • •

المرحلة الأسوأ فى تقديرى هى تلك التى نمر فيها سواء كنا دولا فى منظومة دول عربية أو كنا لاعبين فى منظومة عالمية. نمر فى مرحلة تستحق أن أطلق عليها مرحلة «أفول الهيمنة الأمريكية» وإن كنا ما نزال فى بدايتها التى قد تطول لأسباب يجب أن تكون فى الحسبان. علامات هذا الأفول كثيرة أنتقى منها القليل لأهميته بالنسبة لموضوعنا هنا:

أولا: حالة هياج. أقصد به «فلتان» فى تصرفات وسلوكيات العديد من قادة الدول، حتى الكبرى منها. يمتد هذا الفلتان إلى التحدى الصارخ من جانب دول صغيرة لإرادة ونفوذ دول كبيرة منها دول استعمار قديم ودول استيطان حديث. يمتد أيضا إلى التحدى المدروس من جانب قطب ناهض كالصين وقطب يحن إلى تاريخه الإمبراطورى كروسيا. لاحظنا أنواعا من فلتان إسرائيل التى غامرت بأغلى ما تملك، وهو دعم أمريكا، لتجبر واشنطن على الانصياع لتنفيذ هدف وجودها وتوسعها، ونجحت.

ثانيا: زيادة فى تطبيقات ظاهرة انفراط الدولة القطرية فى عديد الأقاليم وبخاصة فى الشرق الأوسط. أهم التطبيقات وأخطرها وإن كان ما يزال محل تكهنات ومخاوف هو ما يتردد عن تعدد متزايد فى مؤشرات واحتمالات نشوب حرب أهلية ثانية فى الولايات المتحدة. يأتى فى صدارة هذه المؤشرات التصريحات النارية والتهييجية الصادرة مؤخرا عن الرئيس السابق دونالد ترامب، وله سوابق فى هذا الشأن.

ثالثا: التعقيدات الكثيرة التى تواجه عملية البحث عن بديل لحالة بدء أفول نظام الهيمنة الأمريكية على النظام الدولى. من هذه التعقيدات ثلاثة تستحق التوقف عندها (1) شيوع عبارة عالم الجنوب كمفهوم مبتكر غير محدد المعنى والحدود والعضوية، وحده لا ينفع كبديل لنظام الهيمنة، ولكن كمكمل قد ينفع كمحسن للهيمنة التى تمارسها أمريكا ومرطب لأدائها. (2) أمريكا تقيم أحلافا متحركة ومتنقلة أو أحلافا لقضية بعينها كتجربة تفيد فى تأكيد الهيمنة وتعزيزها ولتعويض العجز الناتج عن انحدار مكانتها وعن ضعف إمكاناتها المخصصة لفرض النظام الذى تريد. (3) اتساع الفجوة بين منظومة القيم التى تتمسح بها أمريكا والغرب عامة من جهة وبين السلوكيات الفعلية لها ولهذه الدول من جهة أخرى. إسرائيل بما فعلته فى غزة وبما تفعله فى الضفة الغربية فضحت إلى أقصى درجة مدى اتساع هذه الفجوة الكاشفة أيضا عن صعوبة تخلص أو تخليص أمريكا من ورطتها، حتى عند لحظة الأفول. هنا يأتى التقرير عن حال حقوق الإنسان الصادر قبل يومين أو ثلاث عن وزارة الخارجية الأمريكية وتقديم أو عرض الوزير بلينكن له نموذجا صارخا للمدى المخزى الذى وصل إليه اتساع الفجوة بين منظومة القيم والتزام أمريكا وبقية دول حلف الغرب باحترامها.

• • •
العالم فى ورطة، وعالمنا العربى جزء منه. كلاهما فى حال انتقال إلى شىء آخر غير معلومة حدوده أو شكله أو شروطه أو القيم التى يتحلى بها عن اقتناع، أو يتسلح بها ليقهر غيره.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين أفول نظام دولي وميلاد آخر سنوات صعبة بين أفول نظام دولي وميلاد آخر سنوات صعبة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon