توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فى الوكالة بالموسكى.. يهود وصلاة وملابس داخلية ورسائل ناعمة

  مصر اليوم -

فى الوكالة بالموسكى يهود وصلاة وملابس داخلية ورسائل ناعمة

بقلم - جميل مطر

اتصلت بشقيقتى، وهى الأصغر فى رباعيتنا، ساعيا وراء توثيق معلومات عن جناح فى العائلة وردت سيرته فى دفتر ذكرياتى. يقف على رأس هذا الجناح اثنان من كبار تجار قاهرة المعز وتربطهما بى كصاحب هذا الدفتر قضيتان هما الأفراح وجمعة الوكالة. لا علاقة لشقيقتى بجمعة الوكالة وبالفعل لم أشاركها فى تفاصيلها ولكن أعرف أنها تتذكر تفاصيل كثيرة تتعلق بالقضية الأخرى، أقصد أفراح وأعياد نصبت فى قصور هذا الجناح من العائلة. سألتها فأجابت بجملة مفيدة من سردية طويلة لا يتسع لها حيز ما أكتب فيه هنا ولا حتى فى دفتر ذكرياتى.
أما جملتها المفيدة التى افتتحت بها شهادتها فنصها: «كنت فى الثامنة من عمرى عندما كانت أمى تفرض علينا أن نأكل فى بيتنا حتى نشبع قبل أن نتوجه جميعنا إلى فرح أو آخر من أفراح هذا الجناح من عائلة أبى. خافت أن تزوغ عيوننا وبطوننا على منظر الموائد المنصوبة ومحتوياتها الشهية فننسى ما نشأنا عليه من أخلاق ونتصرف بغير اتزان». أضافت الشقيقة العزيزة قائلة: «لغاية دلوقت يا أخويا، وبعد أكتر من ستين سنة، لا يزال منظر صينية الحمام المخلى وصوانى الحملان والديوك الرومى المحشية والحلويات الشامية المستوردة بالطائرة مطبوعا فى خيالى. حاجة زى صفحة من كتاب ألف ليلة وليلة. أرجع وأقول أمى كان ليها حق».
• • •
أذكر أفراحهم طبعا لنفس السبب الذى جاء فى مكالمة شقيقتى ولأسباب أخرى يأتى ذكرها فى صفحة أخرى من هذا الدفتر قد أعود إليها فى مناسبة لاحقة. الآن تلح القضية الثانية، قضية وكالة الموسكى. لا أعرف سببا مباشرا وراء هذا الاهتمام غير أن ابنتى الأصغر عادت أمس من رحلة عائلية إلى قاهرة المعز وساءها ما رأت من فوضى ساهم فى صنعها عشرات من مركبات التوك توك وقذارة ونفايات بلا حدود ولا معنى وضجيج هائل. كله، مع غيره من دوافع التوتر، أصاب طفلا من أطفال الرحلة «العائلية التثقيفية» بالهلع حتى البكاء. سمعت الشكوى حتى نهايتها وغطست فى الذكريات أقارن، ببعض التحيز ولا شك، لأيام وأيام.
• • •
أصحاب الأفراح هم أصحاب وكالة تجارة فى الموسكى. هما شقيقان يمتان لوالدى بصلة قرابة وثيقة، فوالدى ابن خالتهما. خصص والدى لزيارتهما فى الوكالة يوم جمعة من كل شهر أصحبه فيها مشيا على الأقدام مرتديا أحدث وأغلى ثياب تنتقيها أمى. المسافة بين شارع سامى المتفرع من شارع خيرت فى لاظوغلى وشارع الموسكى لم تكن طويلة بمعايير ذلك الزمن. هى الآن طويلة جدا.
أصارحكم بأننى وأنا فى العاشرة وما يزيد كنت أنتعش فى كل مرة بحفاوة ترحيبهما بنا. كنت وأنا فى سن المراهقة أتعامل عندهما وبفضلهما كرجل. يتعمدان تصديرى لمسئوليات كبار. كان والدى ينتهز فرصة وجوده فى الموسكى ليمر على وكالات يمتلكها أقارب آخرون فى الغورية والعطارين وسيدنا الحسين. يتركنى فى رعاية «ولاد خالته».
• • •
هناك من موقعى فى الوكالة مطلا على الرائحين والغادين ومستقبلا الزبائن والمراسلين ومنصتا إلى حوارات أهل الحى تدور بلغة التجارة والمال وبكثير من الصدق والأمانة، كلاهما قولا على الدوام وفعلا فى الغالب. أنا مدين لأيام الجمع هذه والوكالة وهؤلاء الناس. اطلعت فى رحابهم على معانى الأصالة فى المعاملات والجودة فى التصرفات. فاتنى أن أذكر أنه بعد صلاة الجمعة كنا نتهيأ لوجبة شهية من عند أصهارنا، عائلة الدهان، تتصدرها قطع رائعة من كباب الضأن، والأهم منها وأقصد شرائح ثرية من ضلوع الجدى قضت ليلتها مع عصير البصل فى «تنور» البيت حتى نضجت عند شروق الشمس واشتهت واشتهاها فم آكلها.
• • •
كثيرا ما انبهرت فى أثناء ساعات وجودى بالوكالة بحلو الكلام الموجه لامرأة يلف جسدها الممشوق «ملاية لف» وعلى وجهها برقع سرعان ما يرتفع أو ينسدل تحت وقع تمتمات الغزل الرفيع ونغماته الساحرة. تعلمت هناك أن للكلمة «الناطقة» معانى ورسائل لا تحكى عنها ولا تفشيها الكلمة «الساكتة». ترددت على مسامعى كلمة «يا حاج» كنداءات أكثرها فى الحقيقة «لهفات» أو «آهات» والحاج على الطرف الآخر مجامل بأدب أو متقبل فى خشوع مبهر. يتنازل فى الثمن متأثرا أو موحيا بالتأثر بينما الحقيقة غير غائبة عن عماله وشقيقه وفى غالب الأحوال عن الزبونة نفسها صاحبة الرسائل الناعمة. الحقيقة أن الزيادة فى السعر عند عرض البضاعة محسوب حسابها ومتوقع التنازل عنها. هنا فى هذا المكان وفى مثله تصبح التجارة نزهة ممتعة لكل أطرافها.
كثيرا أيضا ما جرت بينى وبين المراسلين حوارات، وهذه متعة أخرى. يأتى المراسل ومعه حقيبة فارغة. يتقدم إليه عامل من العمال ليأخذها وفى الوقت نفسه يسلمه حقيبة مكدسة بالبضاعة. ينتقل بعدها المراسل إلى غرفة المحاسب ليدفع إليه بحصيلة ما باع ويحصل منه على أتعابه أو نصيبه حسبما اتفق. مهمة المراسلين بيع هذه البضاعة فى أنحاء ريف مصر. من أسمائهم وحواراتى معهم أدركت أنهم يهود. ومن نقاش وتدريب مع الحاج الكبير أدركت أنهم المفضلون لدى الوكالة «لأن بضاعتنا معهم هى الأكثر مبيعا». لا غرابة فى هذه الثقة فطبيب عائلتى الخاص كان يهوديا من سكان حى الظاهر. كلهم اختفوا فجأة بعد قنبلة سينما مترو. بعدها صار قريبنا صاحب الوكالة دائم الشكوى بسبب نقص عائد مبيعات الأرياف.
• • •
كان ابن عمى واحدا من مراسلى الوكالة المصريين. بدأ صغيرا فى الوكالة يعمل فى مختلف أقسامها. أظهر نبوغا فاشتغل مراسلا. تعرف على سوق المنسوجات القطنية وبخاصة سوق الملابس الداخلية وهى المنتجات التى تخصصت الوكالة فى تسويقها. استطاع بفضل اتصالاته ونبوغه الحصول على قرض من البنوك ليقيم مصنعا لإنتاج الملابس الداخلية للرجال. ساعدته الوكالة بعلاقاتها وضماناتها. قام المصنع وتوسع فى الإنتاج لتصبح شركته أحد أهم المنتجين والمصدرين للسوق العربية. أذكر أنه تحدث ذات يوم مع شقيقى الأكبر منى سنا وكان فى مثل عمره. قال له: «اترك الميرى يا ابن عمى وانضم لى نعمل سوا المعجزات»، تردد أخى ورفض بتأثير الوالد. بعد فترة قصيرة امتدت لمصنعه وكل شركاته يد التأميم فعاد صغيرا ولم يكبر مرة أخرى. من ناحية أخرى تقلصت أعمال الوكالة مع كبر سن مؤسسيها ثم بتقاعدهما. سافرت إلى خارج البلاد ولم أعد أسمع عن أفراح يقيمانها فى قصرهما بالعباسية، القصر الذى قضينا فى بعض جنباته أسعد لحظات طفولتنا ومراهقتنا.
• • •
يصر دفتر ذكرياتى على تذكيرى بأننى عشت أياما سعيدة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى الوكالة بالموسكى يهود وصلاة وملابس داخلية ورسائل ناعمة فى الوكالة بالموسكى يهود وصلاة وملابس داخلية ورسائل ناعمة



GMT 09:17 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 09:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 09:10 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 09:08 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 09:06 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 09:03 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 09:00 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 08:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الاستقلال اليتيم والنظام السقيم

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon