توقيت القاهرة المحلي 10:42:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الهبة الفلسطينية.. كشف حساب

  مصر اليوم -

الهبة الفلسطينية كشف حساب

بقلم - جميل مطر

يقول الراضون عنها من خارج فلسطين إنها جاءت نتيجة استفزاز طويل من جانب هجمات المستوطنين ضد المدنيين الفلسطينيين والتوسع الاستيطانى فى الضفة الغربية وفى القدس وسياسات اليمين المتطرف الشريك فى الحكومة والمواقف المتخاذلة للحكومة فى رام الله ونتيجة عرض نتنياهو فى الأمم المتحدة لخريطة تظهر إسرائيل محتلة كل فلسطين التاريخية والجولان ولم تعترض دولة غربية واحدة وبخاصة الولايات المتحدة على هذا التحدى الصارخ للأمم المتحدة بينما تصر على كونها حامية قواعد العمل الدولى. يقول الغاضبون إنها جاءت نتيجة تدريب طويل لقوات حماس وتحميس من جانب إيران ودعم مستمر وإن مستتر من جانب دول عربية ونتيجة تعمق الخلافات داخل مراتب وفصائل المقاومة الفلسطينية. يقول مراقبون إن الهبة الحماسية الأخيرة حلقة فى سلسلة هبات تحمل جميعها سمات غزاوية بامتياز ومتأثرة بالتطورات فى الكيان الفلسطينى الأكبر، ولكن جاءت هذه الهبة الأخيرة متأثرة أكثر من الهبات السابقة بالتطورات الهامة التى جرت فى إقليم الشرق الأوسط وإسرائيل بشكل خاص وفى العالم الخارجى بشكل عام. جاءت أيضا متفاعلة بشدة مع حال احتقان قومى على مستوى النظام العربى ككل وحال نهوض سياسى متعثر على مستوى ما صار يعرف بعالم الجنوب. لن أستطيع فى هذه الساعات المبكرة وأمامى على الشاشة صور لإحدى آخر محارق العصر، محرقة بأيدى أحفاد من نجوا من محارق هتلر، لن أستطيع فى مساحتى الراهنة إلا أن ألم بأقل القليل من الملاحظات.
• • •
كان المنظر السياسى لرد فعل أمريكا والاتحاد الأوروبى دافعا للشفقة. ليس هكذا يجب أن تدار الأزمات الساخنة. سواء صدرت ردود الفعل من الرئيس الأمريكى بلسانه أو من موظفيه على وزن السيدين بلينكين وسوليفان والتى صدرت على الناحية الأخرى من الأطلسى من السيدة أورسولا صاحبة الوزن الخفيف جدا فى معظم المهام التى كلفت بتنفيذها، فقد جاءت جميعها تعبر بكل الصدق عن سبب من أهم أسباب «وكسة» الغرب الراهنة. حاملة طائرات أمريكية تتحرك فى اتجاه الشرق الأوسط لترهيب الفلسطينيين بينما لم يصدر عتاب أمريكى لخطاب نتنياهو فى الجمعية العامة أو لموقف حكومته من عمليات القتل العمد لفلسطينيين على أيدى مستوطنين ولم يصدر عن واشنطن أو بروكسل ما يمكن أن يردع إسرائيل عن بناء مستوطنات وهدم منازل فلسطينيين.
• • •
كنا، فى هذا الجزء من العالم، نأمل فى أن تفتح الهبة الفلسطينية عيون وعقول السياسيين فى الغرب على حقيقة أن استمرار انحدار الغرب صار يكلف العالم غاليا. أوكرانيا تدفع هذه الأيام ولأيام كثيرة قادمة جانبا من هذا الثمن. بل سمعت ورأيت سياسيا كبيرا جدا فى حكومة الهند يجرب حظ بلاده باللعب مع الغرب والإعلام الصهيونى على مصائر شعب فى الشرق الأوسط متجاهلا أبجديات الإقليم أو جاهلا بها. لم نكد نتفاءل خيرا بتوسع مجموعة البريكس وباحتمالات العودة لممارسة دبلوماسية جنوبية جديدة تستعيد للشعوب استقلال إرادتها وتحررها من هيمنة العقلية الاستعمارية الانجلو فونية والفرانكوفونية على حد سواء إلا ووجدنا بعض ساسة الهند يقررون الانصياع نحو تنفيذ ما أملته واشنطن على عديد الدول فى العالم للتعامل مع هذا التطور الجديد فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى.
• • •
نعرف، والعالم يعرف، أن ثلث حكومات العرب متوقفة أو موقوفة عن العمل. نعرف، والعالم يعرف، أن الجامعة العربية بهذا المعنى ومعانٍ أخرى تعمل بأقل من نصف طاقتها وبأقل من ربع إرادتها. نعرف أيضا، ويعرف حكام إسرائيل الجدد والقدامى على حد سواء أن العربى العادى فى كل بيت وشارع غاضب أشد الغضب، وليس هناك من أو ما يمكنه أن يمتص هذا الغضب أو يخفف من وقعه على سلوك هذا العربى أو غيره فى الأيام والشهور والسنوات المقبلة.
• • •
سمعت من حكيم غربى قوله، «غدا أو بعد غد وقد برد غضب نتنياهو وعصابته وهدأت شهوتهم للقتل والإبادة تحت تأثير الإجماع الغربى ضد الفلسطينيين، لماذا لا نبدأ بجمع الطرفين على مائدة «سلام أبدى»؟. لن تمانع حكومات العرب أو على الأقل الموجود منها». سمعت حكيما آخر يرد عليه بالقول، «كيف توصلت إلى قناعة تقضى بأن كلا من تركيا وإيران لن تحاول لتملأ فراغا أخلته توازنات قوة جديدة فى الإقليم».
• • •
سمعت ثالثا ادعى الحكمة بواقعية هادئة، سمعته ينصح بأن «لا تتعجلوا.. فحملة الانتخابات الأمريكية لم تبدأ فعليا وسوف تزداد بالتأكيد حاجة بايدن وفلوله فى الحزب الديمقراطى إلى أصوات اليهود وتمويلات الجمعيات الصهيونية، فليستمر القتل المتبادل ليستمر معه الطلب الإسرائيلى على الدعم المعنوى والمادى نقدا وسلاحا من أمريكا ودول الاتحاد الأوروبى وتطبيعا أشمل وأعمق مع نظام عربى أو شرق أوسطى جديد».
• • •
قرأت لرابع تحليلا يحمل الزعم بالفهم الواثق للعقل السياسى المهيمن هذه الأيام على تفكير صانع السياسة فى واشنطن وما وراءها من مؤسسات أعمق. يفترض التحليل أن أزمة غزة الأخيرة كانت الفرصة الثمينة أمام حكومة بايدن لاستعادة لم شمل حلفاء الغرب. حليف بعد الآخر يعترض على نصيبه فى دعم الحرب الأوكرانية، حليف آخر ينتخب حكومة ضد الحرب أو أقرب للتحالف مع روسيا، حليف ثالث أو رابع يدعى حقا فى قيادة فصيل من الحلفاء غير المطمئنين لقيادة الرئيس بايدن لحلف الأطلسى وغير الواثقين فى الوقت نفسه من «صحة» قلب السياسة الأمريكية، فالقيادة السياسية للحزبين فى واشنطن مفككة ومتخاصمة وبدائل المستقبل لا توحى بالثقة والاطمئنان. أضف إلى ما سبق حقيقة أن «المسألة الغربية» تزداد تعقيدا مع مرور الوقت ومع كل انحدار، أو سمه تدهورا، فى حال النظام السياسى للمملكة المتحدة، الحليف «المرجع» لواشنطن.
• • •
مرة أخرى يخرج من يلقى باللوم على روسيا. روسيا مسئولة عن الصراعات الدائرة، أو كانت دائرة، فى القوقاز بين الآذريين والأرمن وفى البلقان بين كوسوفو وصربيا وفى أفريقيا بين شعوبها وفرنسا والآن فى الشرق الأوسط بين إسرائيل والفلسطينيين. سخف حتى وإن صدر حقا عن هنرى كيسنجر.
• • •
نسأل مع السائلين، «من، وماذا، يمكن أن يروى ظمأ بنيامين نتنياهو الشخصى إلى الانتقام من كل الذين فى الداخل الإسرائيلى والخارج الفلسطينى والشرق أوسطى تسببوا بشكل مباشر أو غير مباشر فى إشعال هذه الهبة الغزاوية أو طوروها أو استفادوا منها؟». القضية بالفعل هى الآن فى أحد جوانبها على الأقل قضية شخصية. هذا الرجل لن يتح له مرة أخرى هذا الدعم الغربى الكبير لشخصه المكروه غالبا فى معظم عواصم الغرب وفى بعض دوائر اليهود الأمريكيين، ومكروه بالتأكيد داخل إسرائيل من جانب التيارات الديمقراطية والعلمانية والإصلاحية كما أوضحت أزمة إصلاح قانون الحكم والقضاء. مكروه الرجل وأعوانه المقربون داخل عواصم عربية عديدة، مكرهون بسبب عنصريتهم وتعاليهم المتعمد على السياسيين العرب. مكروه بخاصة ومكروهة علاقته الوثيقة بوزير الدفاع الذى دأب على وصف خصوم إسرائيل فى صفوف المقاومة الفلسطينية، والعربية عموما، بالحيوانات المتوحشة.
• • •
هناك، على الناحية الأخرى، أفرز الانتقام الإسرائيلى دمارا غير متناسب بالمرة مع ما تسببت فيه الهبة الغزاوية من خسائر فى الأرواح والممتلكات الإسرائيلية. عشرات الألوف من الفلسطينيين، وأكثرهم من أبناء وأحفاد النكبة الأولى، يجدون أنفسهم لاجئين ونازحين وأمامه مساكنهم ينبعث من ركامها الدخان مختلطا بالتراب. سوف يكتمون فى صدورهم الأسى والغضب ليوم أو شهر أو عقد أو حتى لقرن ويعودون.
• • •
المحرقة الأولى، على بؤسها، تتوالد على أيدى ضحاياها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الهبة الفلسطينية كشف حساب الهبة الفلسطينية كشف حساب



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 04:54 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة
  مصر اليوم - الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة

GMT 10:32 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها
  مصر اليوم - ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين

GMT 11:46 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

جوارديولا يهنئ ليفربول بـ كأس الدوري الإنجليزي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon