بقلم - جميل مطر
الحفيدة: يا جدتى. طويل كان المشوار. تقطعينه يا جدتى كل يوم من بيتك إلى هذا البيت الذى تعملين فيه. أنا شخصيا تعبت مع أننى لم أكن أحمل شيئا على رأسى. عرضت عليك أن أحمله بين يدىَّ ورفضت بحجة أنه ثقيل وأننى صغيرة. كم مرة قلت لك أننى لم أعد صغيرة. الآن ارتاحى وأنا أعمل. أين أبدأ وماذا أفعل وما عليك إلا التوجيه والإشراف.
• • •
الجدة: لا يا ابنتى. المشوار لا يتعبنى. رأيت بنفسك أن لى صديقات كثيرات فى السوق أشرب معهن الشاى قبل أن أركب الميكروباص. منهن ومن الرجال، أحدهم بائع البرتقال واليوسف أفندى، أحصل كل صباح على نصيبى من أخبار السياسة ونميمة المجتمع، المجتمع الكبير اللى بره السوق ومجتمعنا، مجتمع الغلابة. النهاردة لم يخفوا سعادتهم بالتعرف عليك فقد سمعوا كثيرا عنك منى. طبعا لاحظت اهتمامهم وبخاصة بائعة النعناع والجرجير التى حاولت مرارا أخذ عهد منى أن تكونى من نصيب ابنها. لم تكن تصدق أنك طفلة واليوم عندما رأتك وتحدثت معك اقتربت بفمها من أذنى لتؤنبنى. قالت عنك ها هى أمامى، ليست طفلة ولا ناقصها حاجة كما كنت أدعى فى كل مرة طلبت منى عهدا ووعدا بأن تكونى من نصيب ابنها.
صحيح المشوار طويل ولكن كما رأيت أعرف ويعرفنى كل سائقى الميكروباص الذين يشتغلون على هذا الخط. كانوا فى المرات الأولى التى ركبت فيها معهم يطلبون أجرة راكبين، أجرة عنى وأجرة عما أحمل من مشتريات السوق أو مكوة البيه أو حلة محشى ورق العنب أو كلها معا. أسمع منهم ومن الركاب حكايات لا تمل. نستعيد معا ذكريات الماضى، أيام الخير والطيبة والأخلاق الحميدة. نحن النساء كنا نمشى فى شوارع الحى بتاعنا مطمئنين ومرتاحين أننا فى حماية رجالة مننا وعلينا. ما كناش نسمع ولا نتعرض للى بيسموه تحرش. نشترك جميعا فى الحديث وفى سرد حواديت عن أيام زمان، زمن عدوية والست مارى منيب ومحمود شكوكو ابن حتتنا فى الجمالية حيث ولدت ونشأت. على فكرة أنا سمعت إن البيه نفسه مولود هناك، بس أوعى، حسك عينك تغلطى أمام البيه وتجيبى السيرة دى.
• • •
الحفيدة: لا تجزعى يا جدتى فلن أخبره شيئا عما يدور بيننا أو نتبادله من كلام. أنا على العموم أحضرت معى كراسات المدرسة والكتب، كتب الحكومة وكتب الامتحانات ليرى بنفسه درجاتى التى حصلت عليها فى امتحانات نصف السنة. أنت عارفة إنه انبسط لما قلت له إن أنا عايزة أكمل تعليمى لغاية آخر سنة فى الثانوية. أنت كنت واقفة لما قال لى إنى لو نجحت هذه السنة فسيكافئنى. بس على فكرة أنت وأمى دايما تحكوا عن شوارع زمان اللى ما فيهاش معاكسة ولو على الأقل من ولاد ورجالة حتتنا. لأ يا ستى إحنا اللى بتسمونا أطفال بنسمع من الرجالة دول اللى بتشكرى فيهم كلاما غريبا مش فاهمين نصه وكلاما كبيرا أو مثيرا للقرف إلى أبعد الحدود. وبعدين قوليلى هو أنا صحيح كبرت لدرجة إن الستات أصحابك بيطلبونى للجواز.
• • •
الجدة: اللى أنا شايفاه بيقول كده. ليهم حق نسوان السوق. ما أنتِ قدامهم ما شاء الله طول بعرض. أطول منى مرتين وأطول من أمك وحلوة زى البدر ومتعلمة يعنى بتفك الخط مش زيى أنا وأمك وكل خالاتك. أنتِ الوحيدة فى كل أحفادى اللى حتاخد الشهادة أهو بعد كام شهر. صحيح كلهم صغار بس أنتِ اللى فيهم. ثم تعالى فهمينى. الشاب الحليوة اللى لازق فيكِ وبيجى كل يوم عندنا أو عند أمك وما يمشيش إلا فى أنصاص الليالى. قدامنا بيقول إنه متفق معكِ على الجواز لما تكبرى. ده بتسميه إيه. إحنا ساكتين لأن أمه بعرفها وست بتعرف ربنا وبعدين الشاب كسيب وعنده توكتوك شغال عليه وتوكتوك بيشغل عليه شبان يحاسبهم اليوم بيومه.
• • •
الحفيدة: شوفى يا تيتة أنا مفهماه سيرة الجواز يحل عنها. هو صحيح كويس وصريف وبيعرف يلبس ونضيف فى شكله وطيب فى تصرفاته وعنده أخلاق مش زى بقية شبان الحارة، لكن هو كمان عنده ثمانية وعشرين سنة وأنا لسه قدامى مشوار طويل لحد ما آخد الثانوية وساعتها أفكر فى مستقبلى زى أى واحدة متعلمة. أنا سمعت إنه راح لأبويا فى بيته وقالوا إن إحنا بنخرج سوا وإن أنا بكره سيرة الجواز وعايزه يتوسط بيننا ويخلينى أوافق. أنا غضبت لما عرفت إنه راح لأبويا وجاب سيرة الجواز. فهمته إذا هو اتكلم معاكو تانى أنا مش حخرج معاه وحاطلعه من حياتى. فهمته كمان إن أنا لسه صغيرة وعايزة أفضل ألعب مع صحابى من بنات وصبيان الحتة. أنا عارفة إن أنت وأمى ما بتستغنوش عنه فى مشاوركم البعيدة وده كمان بيخلينى ساكتة عليه. بس أنا صحيح بحس أنه بياخد باله منى والظاهر إنه بيحبنى، ولكن أنا معرفش يعنى إيه حب. إحنا فى بيتنا عمرنا ما استعملنا الكلمة دى إلا ساعة الأكل. أنا كمان سمعتك مرة بتقولى لأمى إنك عمرك ما سمعت الكلمة دى على لسان جدى ولا أتت على لسانك. سألت أمى من يومين عن سبب نزوح أبويا من بيتنا وهل يمكن أن تكون هى ورا الطلاق. أجابت أنها كانت فعلا وراء الطلاق لأنه ما كانش بنى آدم. ألمحت أنه يمكن أفضل لنا جميعا لو أنا كمان بعدت عنه ولا أراه إلا عند الضرورة القصوى. سألتها تانى ورفضت تزيد. إيه الحكاية يا تيتة، أنت تقدرى تحكيلى؟
• • •
الجدة: يمكن صحيح يا بنتى إن فرق السن بينك وبين الشاب اللى رايح جاى علينا فرق كبير. أنت قولتيها. قولتى إنك عايزة تلعبى مع العيال، هو كبر ومش عايز يلعب لعب عيال. ويمكن أنت مش حيعجبك لعب الكبار وده بيحصل كتير. لن تكونى الزوجة الوحيدة التى لا ترتاح للعب الكبار حتى لو كبرت هى نفسها وصارت من الكبار. أما حكاية أمك وأبوك فهذه تخصهما، ولكن يجدر بى أن أنبهك إلى حقيقة أن أمك حاولت تنجح جوازتها وفشلت وأى امرأة فى مكانها كانت لازم تفشل. وعلى فكرة يمكن يكون أحسن للجميع لو أنت عملت بنصيحة أمك وقللت زياراتك له، وإذا وجبت الزيارة خدى معاك الواد بتاع التوكتوك.
• • •
الحفيدة: لعلمكم كلكم أنا لم أعد طفلة حتى لو أردت فتفاصيل جسدى تخون رغبتى وتكشف حقيقة أننى انتقلت فعلا من العيش فى جسم طفلة إلى العيش فى جسم امرأة. الآن أبدأ رحلتى مع كتبى وكراساتى ومع الأستاذ رب هذا البيت ليعززوا لى الثقة فى مستقبل مختلف عن المكتوب لى حتى الآن. من فضلك يا تيتة استحملونى شوية كمان. أصل أنا مش ماشية إلا بعد أن أحصل على الشهادة الكبيرة أوى وأتعلم إزاى أتكلم فى كل حاجة تمام مثل بنات الموبايل.