توقيت القاهرة المحلي 15:37:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عالم يتحول بتكلفة عالية

  مصر اليوم -

عالم يتحول بتكلفة عالية

بقلم - جميل مطر

وقعت تطورات خلال الأسابيع القليلة الماضية تنذر بآثار لم تكن لتخطر أبعادها على بال صناع السياسة قبل عقدين أو ثلاثة، أذكر هنا من هذه التطورات:
أولا، الطلب الذى تقدمت به المملكة السعودية للانضمام إلى مجموعة بريكس، التكتل الأغنى فى موارد الطاقة والمال والبشر.
ثانيا، إعلان اليابان وبأعلى صوت أنها تخلت عن سلميتها لتعود إلى عسكريتها.
ثالثا، الإعلان الألمانى عن زيادة هائلة فى ميزانية التسلح لتصير ألمانيا الثالثة فى هذا المضمار بعد أمريكا والصين.
رابعا، المقال الذى نشرته مجلة فورين أفيرز الصادرة عن المجلس الأمريكى للشئون الخارجية بقلم لارى دايموند أشهر من تخصص فى موضوع الديمقراطية. يقرر المقال أن الديمقراطية فى أمريكا تعيش مرحلة كساد عميق ومتشعب وممتد.
خامسا، موجتان عالميتان إحداهما سلسلة من اجتماعات القمة حول كافة الموضوعات فى كافة الأرجاء منها مثلا القمة التى جمعت بين الرئيس الصينى والزعماء العرب فى الرياض. والموجة الأخرى احتجاجات شعبية عارمة ضد قضايا عديدة وفى كافة الأنحاء.
سادسا، نجحت دولة عربية فى استضافة مسابقة كأس العالم وصعود دولة عربية أخرى للمركز الرابع، وتهب مشجعة للاثنتين كافة الشعوب العربية.
كنا نعرف قبل وقوع هذه التطورات وغيرها أن المستقبل بالنسبة للولايات المتحدة كان يعنى لها استمرار الأحادية القطبية فى شكل هيمنة أمريكية مطلقة، تصورت أمريكا وغيرها من الدول الكبرى أن روسيا بعد انفراط الاتحاد السوفيتى لن تقوى مرة أخرى إلى حد يهدد جاراتها فى فنائها الخلفى أو فى غيره من الفناءات الآسيوية والأوروبية أو فى الشرق الأوسط وأفريقيا. خاب هذا التوقع حين قامت روسيا بغزو أوكرانيا، أقرب الجارات إلى قلب موسكو، هذا الغزو بالإضافة إلى تطورات أخرى سابقة عليه ولاحقة له، راح يشارك فى رسم معالم خريطة جديدة للسياسة الدولية.
فى هذا الغزو عادت روسيا تجرب هيمنتها على إقليم، تتصور أنه يخصها، وبخاصة بعد أن لاحظت أن أمريكا تحث دول حلف الأطلسى على توسيع نشاط الحلف بحيث يعود فيشكل حزاما يحيط بروسيا.
من ناحية أخرى وقبل أن تعلن اليابان تخليها عن سلميتها راحت بولندا تزاحم وتضغط وتتمرد داخل الاتحاد الأوروبى، هدفها أن تقود دول شرق ووسط أوروبا فى جبهة مناوئة لتدخلات روسيا ولا تنتظر حماية أمريكا أو ألمانيا.
بمعنى آخر، صار واضحا للقريب والبعيد على حد سواء أن مرحلة جديدة على وشك البزوغ. دول تتقدم الصفوف لتشارك فى صنع توازن قوى جديدة فى العالم، وكلها غير واثقة من أنها تستطيع تحمل تكاليف هذه الرحلة.
واضح أيضا فى الصورة أن روسيا والصين عاقدتا العزم على استمرار الصعود وأن أمريكا نادمة على أنها لم تقف ضد هذا الصعود عندما كان ممكنا. هى الآن غير قادرة على استعادة تفوقها المطلق والعودة إلى وضعها السابق فى النظام الدولى قطبا أوحد بكامل صلاحيات القوة الأعظم المهيمنة. يبدو الآن لأمريكا وللكثيرين أن عودة الحال صارت من المحال.
لم نعرف بالدقة متى وتحت أى ظرف دخل النظام الدولى هذه المرحلة الانتقالية، كما أننا لم نعرف بالدقة متى وتحت أى ظرف دخل النظام الإقليمى العربى حال التحول فى بعض، أو لعله أكثر، هياكله الأساسية وأهمها التحول فى علاقات التناسب والتفاوت فى الأوزان النسبية لأطرافه الرئيسية. من هذه الهياكل أيضا حالات الانفراط الداخلى التى أصابت عددا كبيرا من أعضاء النظام. ومن التحولات أيضا تعدد حالات اختراق حدود النظام العربى الخارجية من جانب بعض أو كل دول الجوار، فضلا عن تزايد اتساع فجوات القوة بين هذه الدول من ناحية والدول العربية من ناحية أخرى، وبخاصة الدول العربية المتاخمة، واحدة من هذه الدول راحت تلمح إلى أنها سوف تسعى للحصول على أسرار التسلح النووى.
• • •
لا مبالغة كبيرة فى القول إن العلاقات الدولية تعيش هذه الأيام فى حال فوضى. أحد بوادر هذه الفوضى كثرة انعقاد مؤتمرات القمة وإفراط كبار المسئولين فى تبادل الزيارات والتنقل بين الدول. هذه البوادر تشير عادة إلى حال انضباط ورقى فى العلاقات الدولية إن سادت فى أوقات رخاء وسلام. أما أن تسود فى أوقات التوتر والأزمات وفى أقاليم الوفرة كما فى أقاليم الفقر والعجز فمعناه أن مختلف الدول صار يجمعها هم واحد هو عدم الثقة فيما تخبئه لها الأيام القادمة.
فى ظل هذه الأجواء لا يسع الكثيرون وأنا واحد منهم إلا أن يتوقعوا أن دولا ومؤسسات وعقائد سياسية ومبادئ لن تصمد طويلا تحت ضغوط الحالة الانتقالية التى يمر فيها النظام الدولى. نرى أقاليم تتفسخ إلى تجمعات تحت الإقليمية. بعض هذه الأقاليم أسست فى مرحلة من المراحل نظما إقليمية فرعية اعتمدت فى تأسيسها على وشائج ثقافية أو حضارية أو أيديولوجية. ضعفت هذه الوشائج مع مرور الزمن وتحت ضغط عولمة متزايدة لجوانب بعينها من النظام الدولى ثم بتأثير الصعوبات المترتبة عن انتشار وباء أو كساد وتضخم مالى. لاحظنا أن العمل الجماعى فى معظم أشكاله لم يعد يفى بمتطلبات الدول. صار صعبا، على سبيل المثال، الحصول على إجماع أو حتى توافق الأعضاء على قرار أو سياسة واحدة، وإن حصل فلمدة وجيزة. رأينا المشكلات تتجمع وتحيط بأداء الاتحاد الأوروبى وحلف الأطلسى والاتحاد الأفريقى والجامعة العربية ومجموعة الآسيان. تأكدنا ونحن نتابع هذا الأداء من أن وراء قصوره تقف ظروف المرحلة الانتقالية فى النظام الدولى. تقف أيضا الثقة المفقودة غالبا بتأثير مباشر من طبيعة الانتقال من حال إلى حال تحت ظروف بالفعل قاسية.
• • •
أصل إلى تخوف واجب. الآن وأكثر من أى وقت مضى ومع تصاعد إجراءات وعمليات التحول الجارية فى النظام الدولى وداخل دول النظام العربى صرت أخشى على جامعة الدول العربية كمنظمة إقليمية من تداعيات وقسوة ما ينتظرها من تحديات لا قبل لها بمثلها. من يعرف الجامعة يدرك حقيقة أنها كيان رخو وليست مؤسسة مرنة كما يخطر أحيانا على بال بعض الأكاديميين. إن من اقترب بالدرس أو المشاهدة من المراحل الانتقالية فى تطور العلاقات الدولية لا شك يدرك مدى تعقدها وتعدد احتمالات تحركها بمعدلات تتفوق كثيرا على معدلات الحركة فى مؤسسات النظامين الدولى والإقليمى العربى فى وضعهما الراهن. أقصد تحديدا منظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومؤسساتهما المتخصصة. كلها مهددة بالغرق فى طوفان المرحلة الانتقالية خاصة إذا هى قصرت أو أهملت فى استشراف مستقبلها وتطوير إمكاناتها على ضوء ما استجد من متغيرات وتوازنات أفرزتها أو ألقت عليها الضوء التطورات الأخيرة فى الحالة الانتقالية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عالم يتحول بتكلفة عالية عالم يتحول بتكلفة عالية



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:38 2024 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

أفضل ماركات العطور النسائية للخريف

GMT 01:24 2018 الخميس ,28 حزيران / يونيو

تذبذب أسعار الدواجن في الأسواق المصريةالخميس

GMT 21:46 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

تعرَف على جمال مدينة "دهب" جنوب سيناء

GMT 18:21 2024 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

أهمية تناول المكملات الغذائية يومياً

GMT 10:03 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

أفكار تنسيق موديلات عبايات أسود وذهبي للمناسبات

GMT 00:30 2021 الأربعاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

عطل في تطبيق جيميل Gmail والمستخدمون يلجأون لتويتر

GMT 09:01 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

ليلى طاهر تعلن اعتزالها التمثيل دون رجعة

GMT 21:32 2021 السبت ,04 أيلول / سبتمبر

أفكار لتنسيق السروال الأبيض في موسم الشتاء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon