توقيت القاهرة المحلي 00:06:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اعتبارات سورية

  مصر اليوم -

اعتبارات سورية

بقلم - جميل مطر

دمشق ليست مجرد مدينة عربية أخرى. لعلها، باعتبار التاريخ، أقدم مدن العرب. ولعلها، باعتبار الجغرافيا، قلب هذه الأمة. ولعلها، باعتبار السياسة الإقليمية العربية، العاصمة الناشز إن صح التعبير. ولعلها، حسب رأى أطراف فى جلسة حوار، المشكلة صاحبة العدد الأكبر من الاعتبارات إن سمحت دمشق فجعلناها موضوع نقاش.

 

بالفعل بدأ النقاش وموضوعه ما وراء وما بعد التطورات الراهنة فى سوريا وحولها بالاتفاق على ضرورة أن يراعى أطراف النقاش اعتبارات بعينها تكاد تختص بها سوريا وأن يضعوها فى الحسبان. لا يعنى هذا ولا يقتضى بالضرورة الاعتراف بأن سوريا استثناء فى منظومة الدول عامة والعربية بخاصة ولكنه يظل بمثابة إقرار بأن سوريا صنيعة امتزاج يكاد يكون فريدًا لظروف إقليمية ودولية وطبائع دينية وعرقية وثقافات خلفتها سلسلة من الغزوات شنت بعضها وشنها عليها البعض الآخر. لكن من بين عديد الاعتبارات التى يجب أن تؤخذ فى الحسبان هناك اعتبارات بعينها صارت فى الآونة الأخيرة تضغط بشدة لتسهم فى صنع واقع جديد ليس فقط فى سوريا ولكن أيضًا فى الإقليم، وسوريا، كالمتوقع، فى قلبه حتى عند التحضير له.
• • •
من العدد الكبير لهذه الاعتبارات اخترنا لإثراء النقاش عددا صار بالفعل من المتغيرات الأهم المحيطة بتطورات الوضع الراهن فى سوريا، نعرضه بإيجاز مناسب فيما يلى:
أولاً: لسوريا موقع استراتيجى ومقام معنوى فى الإقليم منذ الفتح الإسلامى وربما من قبله وبالتأكيد من بعده من خلال طموحات الدولة الأموية وتوسعاتها وبخاصة فى شمال أفريقيا وجنوب أوروبا وبالتحديد فى جنوب إسبانيا، كل منهما، وأقصد الموقع والمقام، رتب على حكام سوريا التزامات وفرض سلوكيات بعينها سواء كانت دمشق خاضعة لنفوذ خارجى أوسع أو هى نفسها صاحبة النفوذ.
ثانيا: يعتقد المحلل القريب من السوريين وبخاصة من اختلط بهم فى الداخل السورى أو خارجه أن صبر المواطن السورى نفد أو بدأ ينفد علما بأن السورى فى الأصل إنسان «قلوق» إن صح التعبير. يعتقد المحلل أيضا أن السورى إذا اعتنق أو تبنى عقيدة اختار جانبها المتطرف أو الأشد تطرفا وربما انتهى الأمر بأن تتصف العقيدة فعلا بالتطرف وهى فى الأصل غير ذلك. يشهد بذلك بعض مراقبى تطور فكر القومية العربية وتاريخ حزب البعث وموقعهما فى التاريخ السياسى العربى.
ثالثا: تقع التطورات السورية الراهنة، ولوقت قادم، فى قلب تطورات قد تأخذ شكل تحولات فى النظام الدولى وبخاصة ما يشير إلى قرب نهاية نظام الهيمنة، والمعروف بنظام القطب الواحد. تتسم المرحلة الراهنة بصفة السيولة الدولية تحت ضغط الجهود الأمريكية المبذولة لإضعاف القطب الروسى ومنع الصين من الصعود إلى مرتبة القطب الأول أو حتى الثانى. لا يضير واشنطن بل لعله يفيدها أن يلتهب الشرق الأوسط ولروسيا نفوذ فيه.
رابعًا: فى الوقت نفسه، ولوقت قادم، تجرى استعدادات على أصعدة متعددة لتأسيس شرق أوسط جديد. بالفعل توقف النشاط، أو كاد يتوقف، فى أنحاء النظام الإقليمى العربى وربما لأجل غير معلوم. لا يمكن تجاهل واقع خروج دول أفريقيا العربية، ومصر واحدة منها، من التفاعلات التى صارت تتصف بالتفاعلات شرق الأوسطية وأطرافها الرئيسة هى تركيا وإيران وإسرائيل. أما الساحة الرئيسة لإدارة صراع كفيل بإحياء فكرة الشرق أوسطية الجديدة فلن يجدوا أفضل من سوريا ساحة مناسبة ليجرى على أرضها.
خامسًا: بشكل مؤقت، يمكن تحريك قوات المعارضة المسلحة السورية من حلب وإدلب، وتوجيهها نحو دمشق ولكن بعد نزع صفة الإرهاب عنها. ولا يمكن لأحد غير الولايات المتحدة والمملكة المتحدة محو هذه الصفة عنها، ولا يمكن لدول المنطقة وبخاصة المجموعة الخليجية وإسرائيل التعامل معها مستقبلا إلا إذا صدر المحو من هاتين الدولتين. من المعلوم أيضا أن الشك فى توجهات القادة الجدد تجاه إسرائيل يبقى قائما بعد توليهم السلطة فى دمشق، ولذلك وقع إبلاغ إسرائيل مقدما بالتزام الزحف الإسلاموى العسكرى الشروط التركية والأمريكية بالتوقف عند دمشق والسماح لها بانتهاز الفرصة لتعديل حدودها مع سوريا كما فعلت مع غيرها من الدول المشاطرة لها فى الحدود. بمعنى آخر، ما كان متصورًا بدء الزحف الثورى فى اتجاه دمشق بالسرعة المقررة سلفا دون علم كل من أنقرة وتل أبيب وطهران، وربما دمشق ذاتها.
سادسًا: كان لا بد أن تتعرض إيران لعدد من الانتكاسات الدبلوماسية والسياسية وأيضًا العسكرية قبل أن يبدأ زحف الثوار على دمشق مرفقة جميعها بحملة تشكيك واسعة فى النوايا الحقيقية وراء السياسة الإيرانية تجاه المنطقة فيما انتهى إلى واقع ما سمى بتفكيك الساحات واندحار قوى المقاومة.
سابعًا: لا مشكلة كبرى يجوز أن تواجه قيادة قوات الثورة خلال زحفها مرورًا بحماة وحمص وريف دمشق قبل دخول العاصمة وبعده مباشرة. لن يكون صعبًا الإيعاز أمريكيًا أو أوروبيًا أو خليجيًا للحكومة المدنية القائمة بالاستمرار فى أداء وظائفها دون أى اعتبار للتهديد الذى تمثله القوى الزاحفة. بل ومن الضرورى تهيئة فريق مختلف من المدنيين لتولى مسئولية إدارة الحكم بالتفاهم المسبق مع قادة الثورة بحيث لا تبدو ساحة الإدارة والحكم خالية فينفذ إليها عناصر الفوضى والتخريب.
ثامنًا: الكل مدرك أن استقرار الحكم فى سوريا يعتمد فى الأساس على مدى اطمئنان الأقليات، وهى عديدة كما هو معروف، على مصالحها فى ظل حكم أو هيمنة أقلية أو أخرى. البديل فى النهاية لن يخرج عن تسلط حكم استبدادى أو بآخر ولكن بتكلفة باهظة مادية وسياسية لا تقوى على أى منهما حكومة سورية فى الأجل المنظور.
تاسعًا: تحت الضغط الخارجى سوف يتعين على الدول العربية الشقيقة الاعتراف بالحكومة التى يختارها الثوار بمساعدة من دول إقليمية متفهمة أو متقبلة الأبعاد الحقيقية لطبيعة وتفاصيل المعارضة الثورية. التوقع الغالب هو أن تقوم تركيا بالدور الأكبر فى التحضير لهذا الاعتراف مع حكومة دولة عربية أو أكثر، وربما أيضًا مع الجامعة العربية وبالتشاور غير الصريح مع إسرائيل.
عاشرًا: لولا الشلل الذى أصيب به النظام الإقليمى العربى نتيجة سقوط أنظمة حكم عربية الواحد بعد الآخر أو ربما سقطوا بسبب هذا الشلل، نقول لولا هذ الشلل لما حدث هذا السقوط المريع، وفى قول آخر، السقوط الهزيل أو الهزلى، للنظام السورى. سقوط رغم هزاله أو هزله يفتح الباب أمام تطورات لا تشى مقدماتها بخير يعوض الشعب السورى عن سنوات طويلة من الاستبداد والعنف، ولا تشى بأمل يعوض الفلسطينيين واللبنانيين ومن يستجد من الشعوب العربية عن حروب إبادة شنتها إسرائيل أو تستعد لشنها ضدهم وضد غيرهم من الشعوب العربية.
• • •
كم تمنينا أن تكون فرحتنا بسقوط الاستبداد فى سوريا على مستوى فرحة السوريين، والآن نتمنى أن يكون حظ السوريين أفضل من حظوظ شعوب عربية أخرى سقطت حكوماتها ولم ينصلح حالها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعتبارات سورية اعتبارات سورية



GMT 21:16 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

ظاهرة إيجابية بين الأهلى والزمالك

GMT 09:33 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

ترتيبات استقبال الإمبراطور العائد

GMT 08:36 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مجدي يعقوب والعطاء على مشارف التسعين

GMT 07:59 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

هل مسلحو سوريا سلفيون؟

GMT 07:58 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

عند الصباح

GMT 07:57 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أزمة الغرب الخانقة تحيي استثماراته في الشرق الأوسط!

GMT 07:56 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

القرضاوي... خطر العبور في الزحام!

GMT 07:54 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مخاطر الهزل في توقيت لبناني مصيري

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:01 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة
  مصر اليوم - أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة

GMT 09:38 2024 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

أفضل ماركات العطور النسائية للخريف

GMT 01:24 2018 الخميس ,28 حزيران / يونيو

تذبذب أسعار الدواجن في الأسواق المصريةالخميس

GMT 21:46 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

تعرَف على جمال مدينة "دهب" جنوب سيناء

GMT 18:21 2024 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

أهمية تناول المكملات الغذائية يومياً

GMT 10:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار تنسيق موديلات عبايات أسود وذهبي للمناسبات

GMT 00:30 2021 الأربعاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

عطل في تطبيق جيميل Gmail والمستخدمون يلجأون لتويتر

GMT 09:01 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

ليلى طاهر تعلن اعتزالها التمثيل دون رجعة

GMT 21:32 2021 السبت ,04 أيلول / سبتمبر

أفكار لتنسيق السروال الأبيض في موسم الشتاء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon