توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نحو تحول فى النظام الإقليمى العربى

  مصر اليوم -

نحو تحول فى النظام الإقليمى العربى

بقلم - جميل مطر

أعترف أننى واحد من عرب كثيرين اهتموا بمتابعة أحدث حروب الأوروبيين، أقصد الحرب الدائرة على الأراضى الأوكرانية، حتى شغلهم هذا الاهتمام عن متابعة تفاصيل الثورة الناشبة فى هياكل وتفاعلات نظامنا الإقليمى العربى. لنا بعض العذر فما كشفت عنه هذه الحرب وما انكشف بعد طول معاناة وما تسببت فيه أذهلنا إلى حد جعل التفكير فى مستقبل البشرية وبخاصة فى الجزء الذى نسكنه يبدو كاللعب بالنار.
• • •
انكشف أمامنا ضعف القطب الروسى ومعه تعمق الشك فى استحقاقه الاحتفاظ فى المستقبل بالمميزات المرافقة لمكانة القطب الدولى. انكشفت أيضا الصعوبات التى تكتنف عملية صعود الصين حتى راح بعضنا يتساءل عن جواز سحب صفة الأسطورة التى رافقت هذا الصعود. صرنا شهودا على دلائل تعزز القناعة بأن انحدار أمريكا يقف، مع عوامل أخرى، وراء دفع أو استدراج كل من أوكرانيا والاتحاد الروسى ليتقاتلا فى حرب هى الأولى فى القارة الأوروبية بعد حوالى سبعة عقود من السلم. ثم تتأكد الدلائل وتزداد عددا عندما نرى ألمانيا تنفض عن نفسها عباءة السلم وتعود تتبنى منهجا فى التسلح كان الظن أن أحدا فى ألمانيا لن يجرؤ على تبنيه مرة أخرى. تبنته حكومة المستشار شولتس فتداعت على الفور مخاوف مبررة فى عواصم مختلف الدول المجاورة.
أوروبا، فى ظل الحرب الدائرة فيها، تتغير. الحلف الغربى يهدده فيروس التفكك. مرة أخرى يعود الحديث عن الفوارق الثقافية بين مجموعة دول جنوب أوروبا ومجموعة دول الشمال وفوارق أخرى بين مجموعة دول غرب أوروبا ومجموعة دول الشرق. بولندا غير المطمئنة إلى نوايا ألمانيا فى المستقبل ومرتعبة من روسيا التوسعية من ناحية أخرى، راحت تجس نبض جاراتها الصغيرات عسى أن تفلح فى تشكيل حلف خارج عن سيطرة الدول الكبرى. اهتزت فى كل أوروبا كما فى العالم النامى صورة الديموقراطية الأمريكية، هذه القوة الناعمة بامتياز. اهتزت الصورة كنتيجة، فى رأى البعض، لاجتماع عناصر انحدار هيكلية وسلوكية ليست قليلة. فى رأى بعض آخر ضعفت الديمقراطية الأمريكية فى حد ذاتها فاهتزت صورتها وصارت سببا من أسباب الانحدار وليس نتيجة له.
• • •
انشغلنا بالصراع بين الكبار والتحول المتوقع فى توازنات القوة فى النظام الدولى متجاهلين أو غافلين عن تطورات خطيرة تقع أو تتعمق فى أحوال النظام الإقليمى العربى. أختار فى السطور التالية بعض أهم هذه التطورات وبخاصة تلك التى يمكن لو استمرت أو تعمقت أن تؤدى إلى انفراط النظام أو على الأقل تآكله جزءا بعد جزء وهيكلا بعد هيكل ومبدأً بعد مبدأ. هناك أيضا من هذه التطورات تلك التى يمكن لو استمرت أو تعمقت أن تؤدى إلى أن يتحول النظام فى بعض أجزائه وأشكاله فتتغير بعض خصائصه ولكن يبقى محافظا على هويته الأصلية، أى عروبته. أو يتحول فى كلياته فيزول تماما أو تذوب هويته وبعض هياكله فى نظام إقليمى آخر مختلف جذريا عن النظام الإقليمى العربى.
أولا: بالمحافظة على حلف الأطلسى مكونا أساسيا من مكونات القوة الصلبة الأمريكية نجحت أمريكا فى استخدامه عند الحاجة لخدمة الدور المنوط بها فى قيادة النظام الدولى. هذا الوضع فى النظام الدولى لا يجد ما يقابله فى النظام الإقليمى العربى. إذ إنه حتى يومنا هذا لم تفلح الدولة القائد فى النظام العربى فى إقامة حلف تقوده لأغراض الدفاع عن النظام.
ثانيا: كل ما استطاعت أن تفعله هذه الدولة عند الحاجة هو أنها كانت تقيم حلفا فى قضية بعينها على أن ينفض الحلف بانقضاء الحاجة. كان هذا ما فعلته مصر فى مواجهاتها مع إسرائيل، العدو الأساسى للنظام منذ نشأته وحتى توقيع اتفاقيات التطبيع. فعلته أيضا المملكة السعودية عندما قررت بصفتها الدولة القائد فى النظام الفرعى للخليج العربى تشكيل حلف لشن حرب ضد الحوثيين المدعومين من إيران.
ثالثا: يجرى حاليا ولفترة من الزمن تجميد الكثير من أنشطة العمل العربى المشترك فى انتظار أن تعود مصر لتنهض بمسئوليتها حسب الدور المخول نظريا للدولة القائد فى النظام الإقليمى العربى. طال أمد تجميد الأنشطة وفى ظنى أنه طال هذه المرة فى انتظار أن تظهر قيادة جديدة للنظام قادرة على النهوض بمسئوليتها حسب الدور المفترض أن يؤديه القائد الجديد للنظام. غير خاف، حسب رأى متخصصين فى بعض مراكز البحث الغربية، أن المملكة السعودية تستعد لتحمل هذه المسئولية فى حال لم تتقدم مصر وتعود لتنهض بالمسئولية. دليل هؤلاء على صدق تنبؤهم السعى الحثيث الذى تقوم به المملكة لإقامة ترسانتين فى وقت واحد، واحدة لعديد أنواع ومنتجات ومشروعات القوة الناعمة، وهذه جارٍ استيراد واستعارة الكثير منها من مصر ودول أخرى، أما الترسانة الثانية فمخصصة لعديد أنواع ومنتجات ومشروعات القوة الصلبة وفى صدارتها السلاح. هنا وبخصوص الترسانة الثانية لا أحد يستبعد احتمال الاستعداد المتنامى لحيازة القنابل النووية وبخاصة بعد أن صارت هذه الحيازة احتمالا ممكنا فى ألمانيا وأستراليا، ومؤجلا فى اليابان.
رابعا: لم ينشأ فى النظام الإقليمى العربى مؤسسات أو أجهزة لتسوية النزاعات التى تنشب بين الأعضاء. حاولت أمانة الجامعة العربية مرارا أداء هذا الدور وفشلت باستثناء مرات معدودة وبوسائل غير مؤسسية. فشلت أيضا فى البناء فوق إنجازات بسيطة حققتها فى مجالات أخرى. جانب كبير من هذا الفشل تعود المسئولية عنه إلى الانسحاب المتدرج عبر العقود الأخيرة لموقع هوية النظام وأقصد تحديدا عروبة النظام فى الخطاب السياسى. تراجع موقع الهوية متأثرا بخطاب العولمة وسياساتها. ومع ذلك ورغم تراجع العولمة فى السنوات الأخيرة استمر موقع الهوية العروبية يتراجع فى أجواء شعور بالعجز مخيم على المنطقة فى معظم نواحيها.
خامسا: بالفعل تعددت مواقع الفشل التى تسببت فى نشر الشعور بالعجز. ففى السودان وليبيا وفى اليمن وسوريا وفى لبنان وفلسطين وفى العراق أزمات حادة تستدعى تدخلا قويا من نظام إقليمى يتحمل إلى درجة غير بسيطة جانبا من مسئولية ما حدث. صارت حاجة هذه الدول ماسة لدور تضطلع به دولتان مرشحتان لدور إنقاذ النظام وإلا انفرط لغير عودة. لا بد من لقاءات مصارحة مع مختلف القادة العرب تقود الدعوة لعقدها ومتابعة أعمالها مصر والمملكة السعودية. ويا حبذا لو تستعد الدولتان لهذه الاجتماعات بفريق من المتخصصين والدبلوماسيين الخبراء فى شئون هذه الدول قبل أن يبدأ الغرب سباقا جديدا على أفريقيا والمنطقة العربية، فتذهب الدول المنهكة فريسة سهلة فى هجمة استعمارية جديدة. لدى الدولتين معا من الخبرة وأدوات الضغط والتشجيع ما يسمح لهما بإنقاذ ما يمكن إنقاذه على صعيد النظام الإقليمى المهدد الآن بالانفراط أكثر من أى وقت مضى. أتصور أيضا أن إقامة مجلس أعلى لأمن واستقرار هذه العلاقة الاستراتيجية وحمايتها من دواعى أو تجاوزات المنافسة المشروعة بينهما اقتراح عاجل وجدير بالاهتمام.
أعتقد أن إسرائيل وأمريكا سوف ينتهزان فرصة الضعف الراهن فى النظام العربى لتصعيد حملة غرس النفوذ الإسرائيلى فى عديد الدول العربية إلى حد تتقطع عنده أواصر العلاقات العربية العربية. بعد قليل ينفرط النظام الإقليمى العربى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نحو تحول فى النظام الإقليمى العربى نحو تحول فى النظام الإقليمى العربى



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon