بقلم : عماد الدين حسين
هل صحيح أن كل أو غالبية الأمريكيين من أصل عربى سوف يصوتون لصالح مرشحة الحزب الديمقراطى كامالا هاريس ضد المرشح الجمهورى دونالد ترامب الذى يجاهر بدعمه المطلق لإسرائيل؟!
الإجابة هى بالنفى، لأن صيغة السؤال تفترض أن كامالا هاريس منحازة للفلسطينيين ضد إسرائيل، وهى إجابة خاطئة أيضا لأن إدارة الرئيس جو بايدن ونائبته هاريس هى الأكثر انحيازا لإسرائيل منذ زرعها فى المنطقة عام ١٩٤٨.
بايدن جاهر بأنه صهيونى، رغم أنه ليس يهوديا، بل وليس بروتستانتيا، بل هو كاثوليكى، وهو الشريك الأصلى فى الإبادة الجماعية التى يتعرض لها الفلسطينيون واللبنانيون منذ ٨ أكتوبر من العام الماضى، ولولاه ما تمكنت إسرائيل من تنفيذ هذا العدوان الوحشى وغير المسبوق.
لكن هل معنى الكلام السابق أن الأمريكيين من أصل عربى يؤيدون ترامب تماما؟
الإجابة أيضا هى لا قاطعة، لكن الإجابة الأقرب إلى المنطق أن العرب الأمريكيين منقسمون بصورة واضحة بين ترامب وهاريس، مثلما كانوا منقسمين فى معظم انتخابات الرئاسة الأمريكية خصوصا فى العقود الأخيرة.
الخطأ الجوهرى فى تفكير معظمنا كعرب هو الاعتقاد الخاطئ بأن الأمريكيين العرب يصوتون انطلاقا فقط من مواقف المرشحين للرئاسة من القضية الفلسطينية أو أى قضية عربية أخرى.
صحيح أن اهتمام العرب الأمريكيين قد زاد كثيرا هذه المرة بتأثيرات العدوان الإسرائيلى على غزة ولبنان، لكن المؤكد أن هناك معايير كثيرة تحكم تصويت العرب الأمريكيين، لا يريد كثير منا أن يراها أو يتوقف عندها.
شخصيا كنت أفكر بهذه الطريقة النمطية التى ترى أن تصويت العرب ينطلق فقط من موقف المرشحين من إسرائيل، إلى أن زرت الولايات المتحدة فى يوليو الماضى لمدة تسعة أيام لحضور قمة حلف شمال الأطلنطى «الناتو» والتقيت بعدد كبير من المصريين والعرب الذين يحملون الجنسية الأمريكية ويحق لهم التصويت خصوصا فى واشنطن ونيويورك وفيرجينيا وميرلاند.
المفاجأة الأولى مثلا أننى قابلت عربيا مسلما قال لى إنه سيصوت لترامب، لأنه يعارض حق الإجهاض والمثلية الجنسية إلى حد ما مقارنة بالتأييد السافر من الحزب الديمقراطى لهاتين القضيتين.
وعربى آخر قال إنه سيصوت لترامب أيضا لأنه سيخفض الضرائب مقارنة بالمرشحين الديمقراطيين الذين يؤيدون رفع معدل الضرائب.
لكن وبنفس المنطق فهناك عرب أمريكيون سيصوتون لهاريس لأن أحوالهم الاقتصادية ليست جيدة، ويعتقدون أن برنامج هاريس الاقتصادى والاجتماعى أفضل كثيرا لهم مقارنة ببرنامج ترامب النيوليبرالى.
أيضا فإن عددا كبيرا من السيدات من أصول عربية سيصوتن لهاريس انطلاقا من السعى لإيصال أول سيدة إلى المقعد الأهم فى البيت الأبيض وفى العالم تقريبا.
بعض العرب الأمريكيين يقولون إن ترامب ورغم انحيازه الفج لإسرائيل، قد يكون الوحيد القادر على إجبار إسرائيل على التوصل لتسوية توقف العدوان، لأنه أقوى حتى من الحزب الجمهورى وأقوى من اللوبى اليهودى. لكن عربا آخرين يرون أن ترامب فاشى وعنصرى ويكره العرب والمسلمين، ويجاهر بأن «إسرائيل دولة صغيرة جدا ينبغى توسيعها».
العرب الأمريكيون بعضهم قد يقاطع الانتخابات يأسا وزهقا من ترامب وهاريس. وهؤلاء الذين يصوتون اعتراضا على الدعم الأمريكى لإسرائيل. وبعضهم قد يصوت لصالح مرشحة حزب الخضر جيل ستاين المنتقدة دوما للسياسات الإسرائيلية والانحياز الأمريكى لها.
وبعضهم قد يصوت لهذا المرشح أو ذاك انطلاقا من برنامجه الاقتصادى، وربما أفكاره الاجتماعية والدينية.
وبالتالى فليس هناك إجابة قاطعة بشأن تصويت غالبية العرب الأمريكيين لترامب أو هاريس بل، الأمر يخضع لاعتبارات كثيرة.
التطور المهم هو أن كلا المرشحين بدأ يدرك الأهمية النسبية لأصوات العرب خصوصا فى الولايات السبع المتأرجحة والفاصلة وفى مقدمتهم ولاية ميتشجان ولها ١٥ مقعدا فى المجمع الانتخابى، وفيها يعيش مئات الآلاف من العرب، ويكفى أن نعرف أن ترامب فاز على هيلارى كلينتون عام ٢٠١٦. بفارق عشرة آلاف صوت فى هذه الولاية، كما انهزم فيها أمام بايدن بفارق أقل من مائة ألف أمام جوبايدن عام ٢٠٢٠.
وبالتالى فكل صوت له قيمة فى هذه الولايات المتأرجحة، ولم يكن غريبا أن تتوالى جولات المرشحين وحملاتهما على الولايات السبع خصوصا ميتشجان.
الخلاصة أنه لا يوجد نمط تصويتى واحد لغالبية العرب، بل أصواتهما متفرقة، وبالتالى فتأثيرهم ما يزال قليلا مقارنة باللوبى اليهودى الراسخ والمؤثر منذ عشرات السنين.