بقلم:عماد الدين حسين
ما هذا الزلزال الاقتصادى الرهيب الذى يعصف بغالبية بلدان العالم المتقدم منها والمتخلف والبين بين؟!
خطر هذا السؤال على ذهنى، وأنا أتابع التطورات السياسية والاقتصادية المتتالية فى العديد من دول العالم، ومنها ما حدث فى بريطانيا الأسبوع الماضى؟!
رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس قدمت استقالتها يوم الخميس الماضى قائلة: «لم يعد باستطاعتى الوفاء بالتزاماتى فى ظل الوضع الراهن»، وأبلغت الملك تشارلز الثالث باستقالتى من حزب المحافظين، وسنجرى انتخابات مبكرة للحزب الأسبوع المقبل لاختيار رئيس جديد، والمفارقة أن تراس سجلت رقما قياسيا فى الحياة السياسية البريطانية حيث إنها استقالت بعد ٦ أسابيع فقط من توليها السلطة، وهى أقصر مدة حكم فى تاريخ بريطانيا.
السؤال ما الذى دفع تراس إلى هذه الاستقالة السريعة؟
الإجابة السريعة هو برنامجها الاقتصادى الذى أصاب بريطانيا وأسواقها وغالبية مواطنيها بصدمة شديدة.
قد يبدو هذا عنوانا عاما، لكن ترجمته الفعلية على الأرض جاءت فى نتائج استطلاع للرأى أجراه معهد «ويتش» البريطانى، وبينت أن ملايين البريطانيين صاروا يفوتون وجبات الطعام بسبب غلاء المعيشة وارتفاع أسعار العديد من المواد الغذائية.
الاستطلاع الذى نشرته هيئة الإذاعة البريطانية يوضح أن نصف الأسر البريطانية خفضت عدد الوجبات اليومية، ونسبة مماثلة تؤكد أنها تواجه صعوبة فى تناول أطعمة صحية مقارنة بمرحلة ما قبل الأزمة، وأنها تختار شراء وجبات جاهزة حتى تتمكن من خفض استخدام الغاز والكهرباء بسبب ارتفاع أسعار الطاقة بنسبة كبيرة.
الاستطلاع يكشف عن أن ٦٠٪ من الذين تم استطلاع آرائهم ــ وهم عينة من ثلاثة آلاف شخص ــ يقولون إنهم يعانون صعوبات مالية، ومعظمهم صار يمتنع عن شراء الحلويات والسكريات ويكتفون بالمواد والسلع الأساسية.
فى نفس التوقيت حذرت الجمعية البريطانية لحماية المستهلك من أن ملايين الأسر قد تجد نفسها فى حالة فقر على صعيد الطاقة، لأنها عاجزة عن الحصول على التدفئة المناسبة خلال الشتاء الحالى.
السبب فى ذلك أن وزير المالية جيرمى هانت قام بتقصير مدة تحديد سقف لفواتير الطاقة، كما ألغى العديد من الإجراءات فى الميزانية التى كانت تمزج بين دعم كبير لنفقات الطاقة للأسر والشركات إضافة إلى خفض ضريبى على مستويات مختلفة.
هذه السياسة التى أقرها وزير المالية الأسبق كواسى كوارتينج تسببت من وجهة نظر العديد من الخبراء فى تفاقم الأزمة، كما أن تراس نفسها كانت تتبنى فكرة تقديم المزيد من الدعم للأغنياء وتخفيض قيمة الضرائب عليهم.
والنتيجة هى أن معدل التضخم فى بريطانيا سجل ١٠٫١% بمعدل سنوى فى سبتمبر الماضى، وهى أعلى نسبة تضخم بين دول مجموعة السبع الأكثر ثراء فى العالم، وهذا المعدل أيضا هو الأعلى فى البلاد منذ ٤٠ عاما.
السؤال كيف وصلت بريطانيا إلى هذه الحالة؟!
هناك العديد من الإجابات، لكن مما يلفت النظر مثلا هو أن الرئيس الأمريكى جو بايدن وصف يوم ١٦ أكتوبر الحالى السياسة الاقتصادية البريطانية بأنها خاطئة، قائلا: «إن محاولة تراس دفع الاقتصاد قدما وتحفيز النمو عن طريق منح إعفاءات ضريبية دون وجود تمويل لها، كان خاطئا، وبالتالى فإن الإخفاق كان متوقعا، ولم أكن الوحيد الذى اعتبره خطأً». أضاف بايدن: «أعتقد أن فكرة تخفيض الضرائب عن كبار الأثرياء فى هذا الوقت أمر أختلف معه، لكن هذا شىء يخص بريطانيا ولا يخصنى»!!!.
بالطبع ليس من المعتاد أن ينتقد رئيس الولايات المتحدة زعيم إحدى الدول المقربة بهذا الشكل خصوصا بريطانيا التى تربطها بالولايات المتحدة علاقة عضوية جدا.
المعروف أن بايدن الديمقراطى يعارض سياسة خفض ضرائب كبار الأثرياء، فى حين أن ذلك كان فى قلب سياسة تراس التى تعتقد أن تخفيض ضرائب الشركات والأثرياء سيدفع عجلة النمو، مما يتيح تدفق الثروات باتجاه جميع فئات المجتمع. وهى السياسة أو الفلسفة التى تذكرنا بما روجه جمال مبارك وأنصاره تحت عنوان «تساقط ثمار النمو» قبل شهور قليلة من ثورة 25 يناير 2011.
السؤال من الذين أسقط ليز تراس وهل صحيح أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين هو من أسقطها، وأسقط معها بعض قادة أوروبا، وربما سيسقط آخرون فى الطريق كما يزعم من يتبنون وجهة النظر الروسية، أم أن الأمر أكبر بكثير من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية بأكملها، ويتعلق بأوضاع اقتصادية عالمية خاطئة منذ سنوات، خصوصا فيما يتعلق بالديون المتراكمة؟!
سؤال يستحق المزيد من النقاش.