بقلم:عماد الدين حسين
حينما قرأت البيان الختامى للقمة العربية العادية رقم ٣١ فى الجزائر الشقيقة، تمنيت لو أن الدول العربية التى وقَّعت على هذا البيان قد نفَّذت وطبَّقت بندًا واحدًا فقط من بنوده.
إذا قُدر لشخص غير عربى، أو أى شخص لا يدرك حقيقة الأوضاع العربية والمستوى المتدنى الذى وصلت إليه، وقرأ البيان الختامى لوَجَده مثاليا، ولحَسد العرب على توافقهم وترابطهم ووحدتهم، لكنه بالطبع حينما يدرك الحقيقة المُرة، سيصاب بصدمة كبيرة.
فى هذا البيان الختامى سوف تجد تأكيدا على مركزية القضية الفلسطينية وحق هذا الشعب فى إقامة دولته على خطوط ٤ يونيو وعاصمتها القدس، وحماية المقدسات والمطالبة برفع الحصار عن قطاع غزة، والتمسك بمبادرة السلام العربية، لكن على أرض الواقع ندرك أن ذلك لم يعد هو الموقف الحقيقى لعدد من الدول العربية ولا أقول كلها، وحتى من يؤمن بهذه الكلمات لا يعمل على تطبيقها، وحتى مجرد إقناع الفلسطينيين بالمصالحة انتهى إلى سراب كبير منذ الانقسام عام ٢٠٠٧.
فى باب آخر عن الأوضاع فى الوطن العربى يتحدث البيان عن ضرورة العمل على حماية الأمن القومى، ونعلم جميعا أن الانقسامات لا تضرب فقط العلاقات بين كل دولة وأخرى، بل داخل الدولة الواحدة، ومن لا يصدق عليها يتأمل الأوضاع فى ليبيا والسودان واليمن ولبنان وسوريا والعراق.
فى بند آخر يتحدث البيان عن رفض التدخلات الخارجية بجميع أشكالها فى الشئون الداخلية للدول العربية، لكن ما يحدث على أرض الواقع، هو أن هذا التدخل الأجنبى سواء كان تركيا أو إيرانيا أو أمريكيا أو أوروبيا ما كان ليتم لولا مساعدة أطراف عربية لهذا التدخل، بل إن الحكومة الميليشياوية الحاكمة فى العاصمة الليبية هى التى وقَّعت العديد من الاتفاقيات مع تركيا لاستحضار قواتها وميليشياتها ومرتزقتها.
وفى البند التالى إعلان عربى عن التضامن مع الشعب الليبى، من دون أن يسمى الأسماء بمسمياتها، أن العرب أنفسهم منقسمون بشأن الأوضاع فى ليبيا.
نفس الأمر فيما يخص المشكلة اليمنية، ورغم أن البيان يؤكد على دعم الحكومة الشرعية ومباركة تشكيل المجلس الرئاسى، فإن الحقيقة هى أن حكومات عربية تدعم الجماعات الحوثية.
الأمر ذاته فيما يخص سوريا، فالجزائر مستضيفة القمة ومعها العراق و«نصف لبنان» يؤيدون عودة الحكومة السورية لشغل معتقدها المجمد فى الجامعة، فى حين أن غالبية الدول تعارض ذلك.
فى بند لبنان يجدد البيان التضامن مع الجمهورية اللبنانية دون أن يتحدث بوضوح عن أن أكثر من نصف الحكومات العربية مختلف تماما مع دور حزب الله فى لبنان.
يتحدث البيان عن آمال عظيمة تتعلق بالعمل العربى المشترك والعصرنة ومواكبة التكنولوجيا وضرورة إقامة علاقات سليمة ومتوازنة مع دول الجوار وضرورة مشاركة العرب فى صياغة معالم المنظومة الدولية الجديدة والالتزام بمبادئ عدم الانحياز.
والمتابع يعلم أن كل ما سبق أقرب إلى الأفكار المثالية الطوباوية ولا توجد هناك آلية للتنفيذ.
والسؤال الذى أطرحه بوضوح: ما هى إمكانية أن نقلد البيانات التى تُصدر عن اجتماعات وقمم الاتحاد الأوروبى، من حيث واقعيتها، بمعنى ألا نتحدث عن أفكار مثالية لا تجد طريقها للتطبيق، أو نتحدث بوضوح عما اتفقنا عليه، وعما اختلفنا فيه، حتى يكون المواطنون العرب على بينة بحقيقة الأوضاع.
أما الفكرة التى أطرحها على جامعة الدول العربية وكل المسئولين العرب، فهى أن تتبنى كل قمة سنوية بندا واحدا فقط من كل ما سبق للتطبيق العملى الذى يلمسه المواطن العربى. هذا المواطن لا يعنيه من قريب أو بعيد البيانات الختامية التى لا تعبر عن الواقع، بل تخاصمه وتجافيه تماما.
على سبيل المثال يمكن تخصيص القمة المقبلة لمناقشة وحسم والاتفاق على بند واحد وليكن استراتيجية عربية حقيقية للأمن الغذائى أو الأمن المناخى، وفى قمة تالية المصالحة الفلسطينية، وفى قمة ثالثة المصالحة اللبنانية أو اليمنية أو السورية.
ما أقصده أن نصل إلى تحقيق اختراق ولو بنسبة ٢٠٪ فى أى مشكلة أو أزمة أفضل مليار مرة من هذه البيانات المكررة والمملة للأسف الشديد.