قد لا تكون الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى قادرة على تحقيق معجزات ضخمة، لكن المؤكد أنه يمكنها كسب ثقة غالبية المواطنين بسهولة شديدة، حتى فى ظل نقص الموارد والصعوبات والتحديات الكثيرة التى لا تخفى على أحد.
المؤتمر الصحفى الأول للحكومة الذى عقده الدكتور مدبولى مساء الخميس الماضى بداية جيدة وتقليد ممتاز، طالما أنه يعتمد سياسة المصارحة والمكاشفة وتقديم الحقائق ـ أو معظمها على الأقل ــ للناس أولا بأول.
لو أن الحكومة الجديدة شرحت بكل الوسائل المتاحة حقيقة الأوضاع للناس وأتبعت ذلك بالسياسات والإجراءات الصحيحة، فظنى أنها سوف تنال رضا الكثيرين، لكن مرة أخرى شرط أن يكون ذلك شفافا وواضحا للجميع ويعبر عن الحقيقة.
فى موضوع انقطاع الكهرباء الكبير الذى حدث فى الأسبوع قبل الماضى، فإن المؤكد هو أن أصل المشكلة الأساسى يعود إلى أن إنتاج مصر انخفض من الغاز، والشركاء الأجانب لم يحصلوا على كامل مستحقاتهم فتباطأ الإنتاج، وليس متوافرا لدينا عملات صعبة لاستيراد الغاز والمازوت فورا من الخارج، إضافة لزيادة الاستهلاك بصورة كبيرة بسبب الارتفاع القياسى لدرجات الحرارة.
هذه أسباب حقيقية للأزمة فعلا، لكن هناك أيضا أسبابا تتحملها الحكومة السابقة ومنها مثلا أن وزارة المالية لم تسارع لفتح اعتمادات بالعملة الأجنبية لاستيراد الغاز والمازوت ظنا أن ذلك سيقلل مما تحت يدها من أموال بالعملة الصعبة. ووزارة الكهرباء لم تستطع «المناورة الفنية» لتوزيع التيار بصورة صحيحة، كان يمكنها تخفيف حدة المشكلة. وهناك أيضا أسباب أخرى أقل تتحملها هيئات ومؤسسات أخرى.
أضرب هذا المثل السابق لأدلل على أن شفافية الحكومة مع المواطنين على المدى البعيد ستجعلها تنال كل الرضا من المواطن، الذى سوف يشعر فى هذه الحالة أن حكومته تحترم عقله وتقدم له الحقائق الفعلية، وليس فقط إرجاع الأمر فقط لدرجات الحرارة العالية.
تستطيع الحكومة كسب ثقة الناس بسرعة إذ هى أحكمت الرقابة على الأسواق، ليس لفرض التسعيرة الجبرية، لأنها ضد سياسة السوق المفتوحة والعرض والطلب، ولكن لضرب المحتكرين والمضاربين فى السلع الأساسية.
وهناك مثال سهل، وهو ما الذى يمنع أجهزة الحكومة من مراقبة عمليات بيع الخبز الحر غير المدعم، طالما أنها اتفقت مع الغرف التجارية وشعبة المخابز على أسعار وأوزان محددة تضمن هامش ربح معقولا لأصحاب المخابز؟!
تستطيع الحكومة كسب ثقة المواطنين، لو هى ضربت الرموز الكبيرة للفاسدين.
لو حدث ذلك. فسوف يكونون عبرة وعظة لغيرهم من المحتكرين، ولضمنت الحكومة انضباط الأسواق.
الأمر لا يتوقف فقط عند الخبر، بل العديد من السلع الأساسية وكذلك الحال مع المدارس والمستشفيات التى نسى بعض أصحابها أنها للتعليم والصحة وركزوا فقط على الربح السريع وامتصاص دماء المواطنين.
هذه مجالات محددة: الخبز والتعليم والصحة، ويمكن للحكومة أن تكسب الكثير إذا تحركت فى هذه المجالات.
تستطيع الحكومة أن تكسب الكثير إن درست بتمعن أى مشروع قانون قبل إرساله إلى البرلمان وناقشته مع الخبراء والمختصين والحوار الوطنى وسائر المجتمع بدلا من إصدار قوانين بسرعة ثم عدم القدرة على تطبيقها كما حدث فى قانون مخالفات البناء.
الحكومة لديها فرصة كبيرة للاستفادة من كل أخطاء الحكومة السابقة، فهل تستغل الفرصة؟! نتمنى ذلك.