بقلم : عماد الدين حسين
أن يذهب التلاميذ والطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم، فهذا أمر لا يخص فقط جودة العملية التعليمية، ولكنه شديد الأهمية للطلاب نفسيا واجتماعيا وصحيا، ومن جميع النواحى.
بالأمس بدأ التلاميذ والطلاب عامهم الدراسى الجديد فى ١٢ محافظة على مستوى المدارس والجامعات الحكومية، على أن تنتظم الدراسة فى بقية المحافظات اليوم الأحد، علما بأن غالبية المدارس والجامعات الدولية وبعض الخاصة بدأت الدراسة بالفعل قبل نحو شهر.
انتشار فيروس كورونا فى أوائل عام ٢٠٢٠ أدى إلى تأجيل الدراسة معظم الوقت، ولجأ البعض إلى التعليم عن بعد أو «الأونلاين»، عبر العديد من التطبيقات الإلكترونية المختلفة، أو اللجوء إلى المكتبة الرقمية التى وفرتها وزارة التعليم عبر بنك المعرفة، لكن فى النهاية لا غنى عن التعليم المباشر، خصوصا أن الدكتور رضا حجازى نائب وزير التعليم، قال قبل يومين إن حضور التلاميذ للمدارس يومى وإلزامى فى ظل أن الحكومة ألزمت المدرسية والموظفين والعاملين فى وزارة التعليم بالحصول على أى من لقاحات كورونا، وهو ما يعنى أن توفير الحماية الصحية للجميع، فى ظل التشديد على الالتزام بقواعد الإجراءات الاحترازية والتباعد الاجتماعى.
الحضور اليومى للتلاميذ والطلاب يعنى أن مستوى تحصيل التلاميذ والطلاب سيكون أفضل بكثير من الأونلاين، الذى مهما بلغت جودته لن يكون بقدر التعليم الطبيعى المباشر. حينما يتواجد الطالب فى مدرسته أو جامعته سيكون بمقدوره التفاعل مع معلمه وأستاذه، والتساؤل والاستفسار عن كل نقطة تصعب أو تلتبس عليه، وهو أمر لا يتوافر بصورة كافية فى الأونلاين الذى يواجه مشاكل فنية كثيرة أهمها تعطل أو انقطاع الانترنت، أو عدم وجود موارد مالية كافية لدى غالبية الأسر.
النقاش الحر والطبيعى بين الطالب والمعلم فى غاية الأهمية لتعليم الطالب، وهو أمر لا يتوافر فى أغلب الأحوال فى التعليم الأونلاين، بل إن بعض الطلاب اشتكوا كثيرا من أنهم لم يكونوا يسمعون بصورة جيدة ما يقول المعلم خلال المحاضرة لأسباب تقنية كثيرة تخص الإنترنت، بل غياب المدرس أو الأستاذ المؤهل للتواصل مع الطلاب عن بعد.
وجود التلاميذ والطلاب فى مدارسهم وجامعاتهم مهم للغاية اجتماعيا، لأن وجودهم فى بيوتهم شبه محتجزين أو محبوسين، كما حدث فى فترة الانتشار الكبير لفيروس كورونا، يؤدى بصورة آلية إلى غياب التفاعل الاجتماعى مع أقرانهم وزملائهم ومعلميهم والمجتمع بأكمله.
هذا الأمر قد يقود إلى أمراض اجتماعية خطيرة فى المستقبل لهؤلاء الطلاب.
والأمر لا يقتصر فقط على غياب التفاعل الاجتماعى، بل قد ينعكس نفسيا بصورة سيئة على الطلاب، ويجعلهم يعيشون فيما يشبه العزلة، التى تقود بدورها إلى تأثيرات خطيرة على نفسية هؤلاء الطلاب.
وبنفس المنطق سيؤدى ذلك إلى سلوكيات غير سوية لهؤلاء الطلاب، إذا استمر غياب التفاعل الاجتماعى والنفسى بين الطلاب والمعلمين فى المدرسة.
التعليم المباشر ثبت ومن خلال الدراسات والأبحاث الكثيرة أنه من أفضل الوسائل لبناء شخصية التلميذ أو الطالب، لأنه يوفر له النقاش والاحتكاك المباشر مع معلميه وزملائه والمجتمع المحيط به، ويجعله يكتسب مهارات اجتماعية وعلمية وتعليمية ونفسية كثيرة بما يجعله مواطنا سويا طبيعيا، قادرا على التواصل الطبيعى مع مجتمعه.
ثم إن بقاء الأطفال والتلاميذ والطلاب فى بيوتهم معظم الوقت فى حالة تعطل الدراسة المباشرة، أمر قد يؤدى إلى مشاكل أسرية بلا حدود.
وفى ظل البيوت والشقق الضيقة يؤدى إلى مشاكل أسرية متعددة، وحتى فى البيوت الواسعة فإن الأطفال والطلاب يحتاجون للتجديد والتغيير، وتعتبر المدراس والجامعات من أفضل الوسائل لذلك.
قد يقول البعض إن «الأونلاين» يخفف عن الأسر بعض الهموم المادية، مثل اشتراك الحافلات المدرسية أو مصروف الجيب للأولاد والمأكولات، لكن ورغم أن ذلك ليس دقيقا على إطلاقه، فإن الخسائر النفسية والاجتماعية والتعليمية من جراء توقف الدراسة لا تعد ولا تحطى.
علينا أن نحافظ على استمرار الدراسة الطبيعية يوميا بقدر الإمكان مع اتباع الاجراءات الاحترازية التى تعلنها الحكومة دائما، وأكد عليها الدكتور رضا حجازى قبل يومين، وإذا تمكنا من المحافظة على المستوى المنخفض من الإصابات وانتظمت العملية الدراسية، فسوف يكون ذلك أفضل خبر منذ انتشار فيروس كورونا فى بدايات العام الماضى.
ثم إن التعليم الأونلاين ثبت أيضا أن له مشاكل كثيرة، وهذا حديث لاحق إن شاء الله.