بقلم - عماد الدين حسين
هل هناك خائفون من الحوار الوطنى الذى دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى قبل أسابيع قليلة؟
الإجابة هى نعم، لكن قبل الإجابة تفصيلا عن هذا السوال، وجب علينا أن نفرّق بين فئتين مختلفتين تماما، الأولى هى المتربصون بالحوار الوطنى والكارهون له، والمتمنون تعويقه وإحباطه وإفشاله وهؤلاء يمكن معرفتهم بسهولة، لأنهم ببساطة أعلنوا عن أنفسهم بمجرد الدعوة للحوار، هذه الفئة تشمل كل أعداء الاستقرار فى الداخل والخارج، وفى القلب منهم من يريدون إعادة المشهد لما قبل ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، بحيث يعودون إلى صدارة المشهد أو على الأقل المشاركة فيه، وبالطبع هم يتمنون المشاركة بأى شكل، وحاولوا ويحاولون ذلك منذ اليوم الأول للدعوة.
لكن فئة الخائفين مختلفة تماما. هم وطنيون، بل وبعضهم داخل النظام نفسه. ولدى كل مجموعة داخل هذه الفئة أسبابها للخوف من هذا الحوار وبعضها مبرر وبعضها مجرد هواجس.
الفئة الأولى الخائفة من الحوار هى مجموعات مختلفة من مواطنين عاديين صار لديهم ربط ميكانيكى بين الحوارات والمجادلات السياسية وبين الفوضى وعدم الاستقرار بالنظر إلى ما عاشوه وخبروه فى الفترة من ٢٥ يناير ٢٠١١ وحتى عام ٢٠١٥ تقريبا، وتخللتها أعمال عنف وإرهاب، وعدم استقرار المجتمع عموما، وبالتالى هم يعتقدون أن عودة مصطلحات مثل الحوار السياسى والديمقراطية والتعددية والمناقشات وكذلك عودة ظهور بعض الشخصيات القديمة، يمكن أن يقود إلى عودة مناخ الفوضى وعدم الاستقرار.
الفئة الثانية هم بعض الموالين والداعمين للحكومة والنظام، وهم يرون أن النظام استقر وثبت ورسخ، ولم يعد هناك ما يهدده، وبالتالى فلا يصح إعادة الروح لقوى وكيانات وشخصيات يعتقدون أنها ماتت إكلينيكيا فى عالم السياسة. وهذه الفئة تعتقد فعلا أن الحوار لن يقود إلى نتيجة، وبالتالى هم يعبرون عن قناعات وليس دفاعا عن مصلحة شخصية.
والفئة الثالثة، عكس الفئة الثانية استقرت أوضاعها وترسخت على الأوضاع الحالية، ويعتقدون أن أى تغيير لهذه الصيغة قد يجعلها تخسر مواقفها أو مكاسبها، وبالتالى فالأفضل أن تستمر الأوضاع على ما هى عليه. هؤلاء خائفون ليس من أجل أن الحوار يتصادم مع أفكارهم ومبادئهم، ولكنه يهدد مصالحهم ومكاسبهم واستقرارهم، لكن مشكلتهم أنهم ينظرون للأمر من زاوية شديدة الضيق.
الفئة الرابعة، هى مجموعة من المعارضين ينظرون لكل الأمور بمنظار الأبيض والأسود، ولا يريدون الاقتناع بأن السياسة هى مجموعة من الألوان المتدرجة والمختلفة، وتحتاج إلى المرونة، وأنه يمكنك أن تحصل على المتاح اليوم، وتطالب بالباقى غدا، وأن الإصرار على فكرة «إما الحصول على كل شىء فورا وإلا بلاش» هى فكرة انتحارية عبثية لا تصلح فى عالم السياسة، أو حتى فى أى عالم آخر. هؤلاء مراهقون سياسيا ولا يتعلمون من التجارب التى مرت بها مصر أو حتى العالم فى الظروف المشابهة.
ظنى أنه من حق كل طرف أو قطاع أو مجموعة أو فئة أن يؤمن بما يشاء، ومن حقه أن يخشى ويخاف من أى فكرة، لكن أظن أيضا أنه لا يمكن تخيل استمرار السياسات المتبعة فى السنوات الأخيرة كما هى، والرئيس عبدالفتاح السيسى قال بوضوح قبل أيام إنه كان مفترضا حدوث الحوار منذ سنوات، لكن التحديات التى واجهت مصر، هى التى أخّرته.
فإذا كان هذا رأى رئيس الجمهورية، فالمفترض أن يجب أى مخاوف، خاصة تلك الموجودة لدى قطاعات داخل النظام نفسه، أو حتى لدى بعض الزملاء الإعلاميين.
ظنى الشخصى أن نجاح الحوار سيكون مفيدا على المدى البعيد لكل فئات الخائفين، بل أظن أن نجاح الحوار الوطنى سيكون أفضل خدمة لقطاع الأمن فى مصر، لأنه سوف ينزع العديد من الألغام الموجودة فى المجتمع، ويقود إلى استقرار أكبر خصوصا حال الاستمرار فى الإفراج عن أكبر عدد ممكن من المحبوسين الذين لم يمارسوا العنف أو يحرضوا عليه.
حدوث هذه الانفراجة سيقلل الاحتقان، وسيجعل أجهزة الأمن تنشغل فقط بالإرهابيين والمخربين، وليس بالسياسيين، الذين يفترضون أن يعودوا لممارسة السياسة داخل أحزابهم ونقاباتهم ومجالسهم النيابية والمحلية وتحت سقف القانون والدستور والدولة المدنية.
من حق البعض أن يخاف، لكنه عليه أن يثق بأن نجاح الحوار سيكون مفيدا للجميع: للحكومة والمعارضة والنظام ولكل المجتمع، وسيكون ضارا فقط بكل أعداء البلد.