هل انتصر نتنياهو وجيشه ومتطرفوه، وانهزمت المقاومة فى فلسطين ولبنان؟
ظاهر الأمر يقول إن الإجابة هى نعم، وتجارب التاريخ تقول إن الإجابة هى لا.
فى الظاهر يحق لنتنياهو وكل المتطرفين أن يفرحوا فقد حققوا نتائج باهرة وغير متوقعة فى الأسابيع الأخيرة.
فى فلسطين تمكن الجيش الإسرائيلى من احتلال كامل قطاع غزة برا وبحرا وجوا، ودمر القطاع وجعله غير صالح للحياة لوقت طويل، وحول غالبية سكانه إلى نازحين، الاحتلال قتل أكثر من٤٢ ألفا وأصاب نحو مائة ألف فلسطينى، معظمهم من النساء والأطفال، وتمكن من اغتيال عدد كبير من قادة المقاومة وآخرهم يحيى السنوار قائد حماس الفعلى مساء الأربعاء الماضى، وقبله اغتال إسماعيل هنية فى طهران وصالح العارورى فى بيروت وليس مؤكدا هل قتل محمد الضيف أم لا.
فى لبنان تمكن الجيش الإسرائيلى من اغتيال حسن نصر الله زعيم حزب الله وقبله تمكن من اغتيال عدد كبير من قادة الحزب خصوصا فؤاد شكر وعلى كركى ووسام الطويل، كما وجه ضربة استخبارية غير مسبوقة للحزب حينما فجر أجهزة النداء «البيجر» فى نحو ثلاثة آلاف من أعضاء وكوادر الحزب الميدانية.
كما تمكنت إسرائيل من اغتيال العديد من قادة الحرس الثورى الإيرانى فى سوريا ولبنان ووجهت ضربات كثيرة إلى جماعة الحوثى فى اليمن بالمشاركة مع الولايات المتحدة وبريطانيا. والأمر نفسه تكرر مع ميليشيات الحشد الشعبى فى العراق.
ومثلما فعل الجيش الإسرائيلى فى غزة فهو يكرر نفس السيناريو تقريبا فى لبنان، خصوصا الجنوب والضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت.
شعبية نتنياهو عادت مرة أخرى للارتفاع فى داخل إسرائيل بعد أن هوت إلى أسوأ درك عقب عملية «طوفان الأقصى» فى ٧ أكتوبر من العام الماضى.
نعم كل المؤشرات والأحداث والظواهر فى الأسابيع الأخيرة تقول إن اسرائيل انتصرت والمقاومة انتكست، حتى لو كانت الانتكاسة مؤقتة.
مرة أخرى أسأل: هل حسمت المعركة والحرب لصالح إسرائيل؟!
شخصيا كلامى ورأيى وإجابتى منحازة للمقاومة، وبالتالى لن تكون موضوعية، لكن سوف أستعين بكلام مهم لكاتب أمريكى مرموق جدا وهو ستيفن والت كاتب العمود المعروف فى مجلة السياسة الخارجية أو «فورين بوليس» وأستاذ العلاقات الدولية قبل أيام قليلة.
والذى اختار واقعة تاريخية قريبة إلى حد ما لكى يدلل على أن كل ما يفعله نتنياهو والمتطرفون لن يقود إلى انتصار إسرائيل سوى لفترة قصيرة.
والت اختار ما فعله الرئيس الأمريكى جورج بوش الابن حينما وقف فى الأول من مايو ٢٠٠٣ على متن حاملة الطائرات إبراهام لينكولن مرتديا بدلة طيران أنيقة، ووقف مزهوا تحت لافتة كتب عليها «لقد أنجزت المهمة» معلنا نهاية العمليات العسكرية فى العراق وانتصار أمريكا وحلفائها وصعدت شعبيته إلى عنان السماء.
وكلنا يعرف ما الذى حدث من قتل وتدمير وخراب فى العراق على يد أمريكا الذى كانت تزعم أنها ستحوله إلى بلد ديمقراطى، وانتهى الأمر بوقوعه فى حصن إيران، وهو يحاول الآن جاهدا العودة لعروبته.
والت يقول إنه تذكر واستحضر مشهد بوش حينما رأى نتنياهو وقادة جيشه وأنصاره يحتفلون عقب اغتيالهم لحسن نصر الله ونجاحاتهم فى لبنان وبالطبع حينما كتب والت مقاله لم تكن إسرائيل قد أعلنت اغتيال قائد حماس يحيى السنوار، وبالتالى فالمؤكد أن نتنياهو سوف يحتفل مرارا وتكرارا.
انتهت الفكرة الأساسية فى مقال والت وهى فكرة ذكية ولامعة ومعبرة.
وإضافة للمثال والفكرة التى التقطها والت فإن إسرائيل نست أنها اغتالت معظم قيادات المقاومة منذ زرعها فى المنطقة عام ١٩٤٨.
الجيش الإسرائيلى نفذ مذابح وحشية فى فلسطين منذ عام ١٩٤٨ واحتل سيناء والجولان السورية ووادى عربة الأردنى ثم أجبرته مصر على الانسحاب من سيناء بعد انتصار أكتوبر ١٩٧٣. إسرائيل اضطرت للانسحاب من غزة عام ٢٠٠٥. واحتلت جنوب لبنان مرتين عام ١٩٧٨ ثم ١٩٨٢ واضطرت للانسحاب عام ٢٠٠٠.
إسرائيل تنسى قانونا أساسيا هو أن أى احتلال إلى زوال مهما بلغ تجبره وبطشه ووحشيته.
الفارق فقط هو حجم الدماء والدمار والخراب الذى ستدفعه المنطقة حتى تقتنع إسرائيل بأنها يستحيل أن تظل تحتل الضفة وغزة والقدس وجنوب لبنان.
والسؤال: متى تصل إسرائيل إلى هذه القناعة؟!!