بقلم:عماد الدين حسين
يوم الأحد الماضى كانت بداية مناقشات جلسات الحوار الوطنى لقضية الأحزاب المصرية فى إطار المحور السياسى.
النقاش بصفة عامة كان موضوعيا ومفيدا، والمؤكد أن استمراره قد يؤدى إلى حل مشكلة الأحزاب المستعصية منذ عقود.
وهنا لابد من تسجيل مجموعة من الملاحظات الأساسية علها تفيد فى هذا الصدد.
لا نريد الغوص فى الماضى، لكن ومنذ عودة الأحزاب عام ١٩٧٧ رسميا بعد حلها فى يناير ١٩٥٣ وهى تعانى من أمراض مزمنة لم نشف منها حتى الآن، لأن أساسها كان وجود حزب واحد فعلى مدعوم من الدولة وحصارا للآخرين، وإذا أردنا حقا الشفاء فعلينا أن نبحث عن الأدوية المناسبة.
لدينا ٨٤ حزبا رسميا وأكثر من عشرين حزبا تحت التأسيس، وأكثر من ٩٥٪ منها بلا فاعلية، والعضوية الفعلية فيها لا تزيد عن رئيس الحزب وزوجته وأولاده، بل إن بعض أفراد الأسرة ينشقون على الأب!
ثالثا: ليس عيبا أن يكون هناك مليون حزب لكن بشرط أن تكون هناك أحزاب أساسية فاعلة ولتكن ثلاثة أو أربعة، لكن أن تهيمن على الساحة الأحزاب الكرتونية والأنبوبية فهو أمر لا يليق بمصر.
أظن أنه من المهم أن نطبق قاعدة أن أى حزب لا يحصل على حد أدنى من المقاعد أو ما يسمى بالعتبة الانتخابية يتم حله أو يدمج فى حزب أكبر يتفق معه فى الميول والبرامج والأهداف.
بالطبع غالبية الأحزاب الصغيرة سترفض الحل أو الدمج لأنه سيحرمها من الوجاهة والمكانة وربما «الاسترزاق».
رابعا: المشكلة الجوهرية فى عدم وجود أحزاب قوية وفاعلة تتحملها مناصفة الحكومات المتعاقبة والأحزاب. الحكومات لا توفر البيئة السياسية المناسبة لنشاط الأحزاب وحريتها فى التواصل الفعال مع الجماهير، ولا تسمح بتداول حقيقى للسلطة وتضيق عليها كثيرا، وكانت قمة المأساة حينما ضيقت حكومات ما قبل ٢٠١١ على الأحزاب المدنية وحاصرتها فى مقراتها، فى حين سمحت بحرية النشاط للجماعات المتطرفة المحظورة والتى تمكنت من حصد ثلثى مقاعد برلمان شتاء ٢٠١١.
أما الأحزاب فهى تتحمل المسئولية الكبرى لأن معظمها نسى وظيفة الحزب الأساسية واستسلم للأمر الواقع ولم يستطع الوصول للجماهير وإقناعها ببرامجها وأهدافها، بل اتجه بعضها لممارسة أنشطة الجمعيات الخيرية مثل توزيع الطعام والبطاطين. وهو أمر إنسانى مهم لكنه لا ينبغى أن يكون نشاط الأحزاب الأساسى.
نتيجة هذا المناخ والمسئولية المشتركة بين الحكومات والأحزاب فإن غالبية المواطنين صارت تعتقد أن وظيفة الأحزاب هى تحقيق المنافع المادية والاقتصادية مثل الوظائف أو الترقى أو الحصول على إعانات مادية أو عينية وليس السعى للوصول إلى السلطة لتطبيق البرامج السياسية.
خامسا: المعارضة تنتقد الحكومة كثيرا وتتهمها بأنها غير ديمقراطية، وإذا كان هذا الاتهام صحيحا، فعلى الأحزاب أن تسأل نفسها أولا، وهل هناك ديمقراطية داخل هذه الأحزاب، ومتى تم إجراء انتخابات حقيقية داخلها، وهل يصح أن يستمر رئيس الحزب مدى الحياة رغم أنه لم يتمكن من إدخال عضو واحد فى أى مجلس نيابى منذ تأسيسه وحتى الآن؟!
سادسا: كانت هناك ظروف حتمت ظهور قائمة ائتلافية فى الانتخابات الأخيرة مكنت من دخول أحزاب كثيرة إلى البرلمان. وهو أمر طيب لظروف المرحلة الانتقالية لكن علينا ألا ننسى أن معظم هذه الأحزاب بلا قاعدة جماهيرية حقيقية، ولم يجرب نفسه فى أى اختبار ديمقراطى حقيقى، ولو حتى فى مجلس محلى قرية.
سابعا: وانطلاقا من النقاط السابقة فكل الأمل أن تتمكن جلسات الحوار الوطنى من الوصول لعلاج حقيقى للأمراض التى تعانى منها الحياة الحزبية والتى تتمثل فى ضرورة تقديم أكبر قدر من التحفيزات والتسهيلات غير المادية للأحزاب كى تنتشر وتتحرك وتصل للجماهير وتتنافس فى الحياة السياسية. وأن نضمن وجود هيكلة فعلية داخل هذه الأحزاب حتى لا تظل مغلقة على عائلة أو شلة مدى الحياة. والأهم أن تسمح الحكومة بحرية النشاط الحزبى والمنافسة والاختلاف والتمايز فى إطار القانون والدستور.
وهنا علينا تذكر أن الرئيس عبدالفتاح السيسى قال فى كلمته أمام الجلسة الافتتاحية للحوار الوطنى فى الثالث من مايو الماضى أن التنوع مهم جدا فى الحوار.
وهو توجيه واضح لا لبس فيه للجميع بأن الأصل فى الحياة الحزبية هو الاختلاف فى البرامج والرؤى والتوجهات فى إطار القانون والدستور وأن الفيصل فى ذلك هو صندوق الانتخابات الحر والنزيه. وبالتالى لا يصح أن يخرج علينا أحد بالقول إن الاختلاف الحزبى يضر بالبلد والاستقرار.
هذه نقاط سريعة، ونتمنى أن تسفر المناقشات عن توصيات قابلة للتنفيذ تنمى وتطور الممارسة والنشاط الحزبى لمصلحة التقدم والاستقرار.