بقلم:عماد الدين حسين
من الأخبار المفرحة فى الفترة الأخيرة زيادة الصادرات المصرية خلال الـ ١١ شهرا الماضية إلى ٤٦٫٨ مليار دولار مقارنة بـ ٣٩٫٣ مليار دولار عن الفترة المماثلة من العام السابق عليه. أى أن هناك زيادة بـ ٧٫٥ مليار دولار على عهدة الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
ومن الأخبار المفرحة أيضا ما أعلنه نفس الجهاز عن أن قيمة الواردات المصرية انخفضت خلال شهر نوفمبر الماضى بنسبة ٢٦٫٨٪ لتصل إلى ٥٫٩٤ مليار دولار مقارنة بـ٨٫١١ مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الماضى.
ولو أن هذا الاستيراد تراجع بنفس النسبة لكل الشهور المقبلة فإن حجمه سينخفض إلى ٧١٫٢٨ مليار دولار، مقارنة بـ٩٧٫٣٢ مليار دولار لو استمر بنفس معدلات عام ٢٠٢٢.
نعود إلى الصادرات لنكتشف أن السلع تامة الصنع تصدرت بنسبة ٤١٫٥٪ بإجمالى ١٩٫٤ مليار دولار خلال الفترة بين يناير ونوفمبر ٢٠٢٢، مقابل ١٧٫٧ مليار دولار عن العام السابق عليه. تليها الصادرات البترولية بنسبة ٣٢٫٨٪، كما ارتفعت صادرات السلع نصف المصنعة إلى ٨٫٢ مليار دولار.
أما تفسير انخفاض الواردات فيعود إلى عوامل مختلفة أهمها تراجع قيمة بعض السلع المستوردة مثل البترول الخام بنسبة ٩٫٦٪ والأدوية والمحضرات الصيدية ٢٩٫٦٪ واللدائن ٤٧٪ والمواد الأولية والحديد بنسبة ٤٠٪.
وفى المقابل ارتفعت قيمة بعض الواردات فى الشهر نفسه مثل القمح ١٠٫٣٪ ومنتجات البترول ٥١٫٢٪ والغاز الطبيعى ٣٤٪ والأنابيب والمواسير ولوازمها من الحديد والصلب ٥٨٪.
لكن الخبر غير السعيد أن الصادرات فى الشهر نفسه أى نوفمبر انخفضت بنسبة ١٧٫٨٪ لتبلغ ٣٫٧٩ مليار دولار مقارنة بـ٤٫٦١ مليار دولار لنفس الشهر عام ٢٠٢١، والسبب هو انخفاض قيمة بعض الصادرات مثل الغاز الطبيعى والمسال بنسبة ١٣٫٣٪ والبترول الخام ١٥٫٦٪ والأسمدة ١٣٫٣٪ ومنتجات البترول ٣٦٫٨٪. فى حين ارتفعت قيمة بعض السلع مثل الملابس الجاهزة بنسبة ١٧٫٢٪ وعجائن ومحضرات غذائية ١٨٫٧٪ والفواكه الطازجة ٧٢٫٦٪ والقضبان والزوايا والأسلاك الحديدية ١٤٣٫٥٪.
هذه هى الأرقام المجردة، لكن هناك العديد من القراءات التى يمكنها أن تفسر لنا ما وراء هذه الأرقام.
أحد أوجه هذه القراءات أن أسعار العديد من السلع الأساسية شهدت تذبذبات شديدة منذ بدء الغزو الروسى لأوكرانيا فى ٢٤ فبراير من العام الماضى وحتى هذه اللحظة.
على سبيل المثال فإن سعر طن القمح الذى كنا نشتريه قبل الغزو بـ٢٧٥ دولارا، ارتفع ذات يوم إلى أكثر من ٥٠٠ دولار، لكنه تراجع فى الأسابيع الأخيرة إلى ٣٤٠ دولارا للطن.
نفس الأمر بالنسبة لسعر البترول، فقد ارتفع سعر خام برنت القياسى من متوسط ٦٠ دولارا ليلامس ذات يوم حاجز الـ١٤٠ دولارا، لكن سعره الآن مستقر منذ أسابيع بين ٨٠ ــ ٩٠ دولارا.
والأمر نفسه بالنسبة لمشتقات البترول التى ارتفعت بدرجات مختلفة لكنها عالية مقارنة بالارتفاع الأقل لسعر الخام غير المكرر.
الغاز الطبيعى حدث له نفس الأمر، فقد سجل ارتفاعات قياسية بعد الغزو وخصوصا بعد توقف تدفق الغاز الروسى إلى ألمانيا وأوروبا، لكن أسعاره عادت إلى قرب مستوياتها السابقة فى الشهور الأخيرة.
وهناك عامل مهم جدا يتعلق بما حدث للجنيه المصرى، حيث صار الدولار الأمريكى يساوى أكثر من ٣٠ حنيها بعد أن كان سعره حتى مارس الماضى حوالى ١٥ جنيها فقط.
ومن المميزات لمصر أنها تنتج الغاز الطبيعى كما تستورده خاما وتعيد تسييله وتصدره لدول أخرى بأسعار أعلى كثيرا.
النقطة المهمة الأخرى هى أن الواردات تراجعت بفعل عدم وجود اعتمادات دولارية، وبالتالى فإن الحكم الصحيح على تراجع الواردات أن يستمر فى المستقبل، وشرط ألا يكون التراجع على حساب سلع ومكونات ومستلزمات إنتاج أساسية نستخدمها فى الصادرات.
ومن الواضح أن الفجوة بين الصادرات والواردات لا تزال مرتفعة وتبلغ حوالى ٤٥ مليار دولار، وهى سبب غالبية المشاكل التى نعانيها. هذه الفجوة ندبر أكثر من نصفها من إيرادات قناة السويس وبيع الغاز المسال وبعض عائدات السياحة والمنح وربما القروض، لكن تظل هناك فجوة تتراوح بين ١٥ ــ ٢٢ مليار دولار، وهى المسئولة عن الأزمات الأخيرة التى أدت إلى تكدس السلع فى الموانى بعد هروب الأموال الساخنة نتيجة لقرار البنك الفيدرالى الأمريكى برفع سعر الفائدة من صفر فى المائة تقريبا إلى ما تقارب الـ٥٪.
مرة أخرى نحتاج إلى زيادة الصادرات بكل الطرق لنصل إلى ١٠٠ مليار حتى نعادل حجم الواردات، ومن دون تحقيق ذلك فسوف نظل فى نفس الدوامة ونفس الحاجة إلى تعويم جديد كل ثلاث أو أربع سنوات.