بقلم: عماد الدين حسين
«التسامح ومواجهة العنف.. من المبدأ إلى التطبيق» عنوان ملتقى وورشة عمل مهمة شاركت فيها يومى الإثنين والثلاثاء الماضيين فى إطار «منتدى حوار الثقافات» الذى نظمته «الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية» وشارك فيها العديد من الكُتاب والمفكرين والمثقفين والإعلاميين.
الكلمات والمداخلات والتفاعل كان مهما وحيويا من بعض المشاركين وعاديا وروتينيا جدا من مشاركين آخرين، وهو موضوع يستحق نقاشا لاحقا.
فى الجلسة الافتتاحية التى أدارها الإعلامى نشأت الديهى قال إن مبدأ التسامح العملى مطبق على أرض الواقع، وإن رئيس الهيئة القس الدكتور اندريه زكى هو نموذج للعيش المشترك فى مصر ينبغى دراسته، مع الاعتراف بوجود بعض المشكلات.
إن التنوع الموجود فى القاعة يعكس التنوع الموجود فى المجتمع. كان حاضرا فى القاعة مثلا الدكتور أحمد زايد رئيس مكتبة الإسكندرية وحلمى النمنم وزير الثقافة الأسبق والنائب طلعت عبدالقوى رئيس اتحاد الجمعيات الأهلية ود. محمد عفيفى وعبدالقادر شهيب وسامح فوزى والمستشار محمد الدمرداش العقالى وأستاذ علم الاجتماع د. سعيد المصرى وأنور مغيث، ومن أساتذة الجامعات الدكاترة حنان يوسف وسلوى ثابت وإيمان بالله ياسر، ومن النواب محمد فريد ومحمد عبدالعزيز ومحمود القط وعماد خليل ومحمد عمارة، ومن الإعلاميين والكُتاب النائب د.محمود مسلم وأكرم القصاص وعادل السنهورى وسيد محمود ودينا عبدالكريم وعشرات الصحفيين، لكن التنوع الحقيقى كان فى وجود رجال دين مسلمين ومسيحيين.
سيقول البعض ولكن رجال الدين المسلمين والمسيحيين يلتقون فى مناسبات كثيرة، ويجلسون معا ويتبادلون القبلات والأحضان، من دون أن يعنى ذلك حدوث تفاهم وتعامل حقيقى يقرب بينهم، وهو سؤال مهم وقد سألته بالفعل للعديد من المسئولين فى الهيئة الإنجيلية وفى وزارة الأوقاف حينما رأيت شباب الأئمة فى الأوقاف يجلسون على طاولة واحدة مع شباب القساوسة، ورأيت سيدات دين مسلمات يجلسن مع أخوات مسيحيات فى مشهد يؤكد أن هذا البلد بخير رغم كل محاولات المتطرفين فى الداخل والمتربصين فى الخارج.
وكان الملفت للنظر بالنسبة لى أن الجلوس المشترك لم يكن قاصرا على طاولات الندوات وورش العمل، ولكن على طاولات الطعام أيضا.
نشكو كثيرا من العلاقة المعلبة والباردة بين رجال الدين الإسلامى والمسيحى لسنوات طويلة، وأنها لم تكن تعبر عن واقع حقيقى موجود على الأرض. والمؤكد أن هناك خلافات كثيرة ومتراكمة بين المسلمين والمسيحيين لأسباب يطول شرحها. لكن المهم أن تكون هناك مبادرات مستمرة من مختلف الهيئات والمؤسسات الرسمية والشعبية والأهلية والدينية لمواجهة هذه المشاكل والعقبات، ولن يتم ذلك بقرار رسمى فقط ولكن بجهد أهلى حقيقى وفاعل ومستمر.
وما تبذله الهيئة الإنجيلية ووزارة الأوقاف يصب فى هذا الاتجاه. والهدف النهائى فى هذا الصدد أن يكون التسامح بين الأديان والطوائف والمذاهب منهج عمل وحياة، وليس مجرد صورة تظهر فى الصحف أو القنوات الفضائية والمواقع الإخبارية.
وخلال كلمة وزير الأوقاف د. محمد مختار جمعة لفت نظرى قوله إن الأديان تتفق فى كل شىء فيما يتعلق بمعاملات الناس فيما بينهم. وتختلف فقط فى مسألتين الأولى هى العبادة والثانية هى العقيدة، وكل ديانة لها خصوصية، لكن كل ما يهم المجتمعات والناس هو قاسم مشترك بين كل الأديان السماوية بل والوضعية. وبالتالى فالهدف هو تعظيم القاسم المشترك الإنسانى بين الأديان، وليس تعميق الخلافات، خصوصا أن ما تتفق عليه الأديان هو أمر يخص الدنيا، وما تختلف عليه الأديان فى العقيدة أمر يخص الآخرة وحسابه عند الله.
أحاول التركيز على هذه النقطة تحديدا لأن قوى الشر فى الخارج والمتربصين فى الداخل يحاولون دائما ولا ييأسون أبدا من محاولات إحداث الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، ومن لا يصدق عليه مراجعة بعض ردود الفعل على حادث الحريق فى كنيسة أبو سيفين فى إمبابة فى الأسبوع قبل الماضى وبعض الحوداث فى كنائس أخرى، حيث حاول المتطرفون فى الجانبين إشعال نار الفتنة بكل الطرق، والإيحاء بأن الحادث جنائى وإرهابى.
مرة أخرى الواقع ليس ورديا، ولكن علينا أن نعمل دائما للتغلب على التراكمات المستمرة منذ سنوات طويلة.