فى يوم الأربعاء ٣٠ مارس الماضى دعتنى الزميلة سوسن مراد عز العرب رئيسة تحرير مجلس «البيت» التى تصدر عن مؤسسة «الأهرام» لحضور صالون المجلة الثقافى الثانى عشر تحت عنوان «المرأة هى روح الحياة»، للاحتفاء بالسيدات الملهمات فى مجال الإبداع والفن والثقافة واحتفاء بالراحلة الدكتورة أنيسة حسونة، وبحضور عبدالمحسن سلامة رئيس مجلس إدارة «الأهرام»، وأسرة الراحلة خصوصا، زوجها الدكتور شريف ناجى وابنتها وعدد كبير من الشخصيات العامة منهم الإعلامى الكبير محمد على خير.
خطوة مجلة البيت تستحق التحية والتقدير لأننا نحتاج دائما أن نسلط الضوء على النماذج الإنسانية الملهمة، حتى نشجع الناس على الاقتداء بها، ونموذج أنيسة حسونة شديد الإلهام لكل المصريين رجالا ونساء.
أنيسة حسونة ولدت فى القاهرة فى ١٩٥٣، وتخرجت فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وبدأت عملها ملحقا دبلوماسيا بوزارة الخارجية، ثم عملت لمدة ١٤ عاما فى مجلس الوحدة الاقتصادية العربية التابع لجامعة الدول العربية، وكانت عضوا فى العديد من الهيئات الاستشارية والمجالس والهيئات المختلفة المهتمة بالمرأة والفكر والحريات وكذلك العمل الخيرى، وعيّنها الرئيس عبدالفتاح السيسى عضوا فى مجلس النواب عام ٢٠١٦، وفى آخر ظهور لها قبل وفاتها، كرّمتها حرم رئيس الجمهورية فى احتفالية المرأة المصرية، ورحلت حسونة عن دنيانا فى ١٣ مارس الماضى بعد صراع مع مرض السرطان استمر نحو ست سنوات.
وهى سليل عائلة سياسية معروفة، ووالدها هو المستشار عصام الدين حسونة وزير العدل الأسبق، الذى ألغى تنفيذ طاعة الزوجة بالقوة الجبرية، وقال وقتها لجمال عبدالناصر وأنور السادات: «الإسلام مفيهوش كده».
حسونة كانت تتميز بوجه مصرى أصيل بشوش دائما، وأحبها وصدّقها الناس أكثر حينما كانت تطل عليهم فى الفضائيات المختلفة تدعوهم للتبرع والمشاركة فى مؤسسة الطبيب العالمى مجدى يعقوب لعلاج قلوب الأطفال بالمجان خلال عملها مديرا تنفيذيا للمؤسسة، قبل أن تنتقل لتصبح المدير التنفيذى لمستشفى الناس للأطفال.
كنت أسمع عنها الكثير، إلى أن عرفتها عن قرب بحكم عملى الصحفى ثم خلال إصدار كتابها المتمير «بدون سابق إنذار» من دار الشروق، ولذلك تأكدت من معدن جوهرها الأصيل وروحها الإنسانية المتدفقة حبا وخدمة لكل الناس.
خلال كلمتى فى مجلة البيت قلت إننى ذات يوم اتصلت بى ربة أسرة من الصعيد تقول لى إن ابنها الذى لم يتجاوز عمره الشهر ولد بمشاكل فى قلبه ورئتيه، وإنه يحتاج لعملية جراحية دقيقة وعاجلة وتحتاج كفاءات نادرة، وتكاليف باهظة قد تصل لنصف مليون جنيه.
وحينما تحدثت مع الدكتورة أنيسة حسونة، لم يستغرق الأمر أكثر من دقيقة، وقالت لى وقتها: «خلى الأم تكلم الموظف الإدارى فلان الفلانى بكره فى مستشفى الناس»، وبالفعل أجريت العملية، وتحسنت صحة الطفل كثيرا.
حكيت هذه القصة التى عايشتها شخصيا لأدعوكم إلى تأمل كم أم أو أب ساعدتهم هذه الإنسانة الطيبة عبر عملها فى مؤسسة مجدى يعقوب أو مستشفى الناس، أو أى مكان آخر عملت به أو حتى عبر معارفها وأصدقائها ومحبيها؟!
عرفت أنيسة حسونة أيضا من خلال كتابها الممتع «بدون سابق إنذار» الصادر عن دار الشروق، ليس فقط من خلال ما نشر بالفعل داخل هذا الكتاب القيم، ولكن من خلال مناقشاتها مع المهندس إبراهيم المعلم وأميرة أبوالمجد وأحمد بدير قبل وخلال إصدار الكتاب.
الكتاب يسلط الضوء على طبيعة المرأة المقاتلة التى حاربت السرطان بشراسة، وينقل تجربتها الشخصية شديدة الصعوبة بكل ما تحمله من فرح وحزن وصراع من أجل الحياة. وعلى حد تعبير أحد النقاد فإن الكتاب يستحضر «روح الإنسان التى لا تقهر والقوة الخفية الهائلة للإرادة البشرية حينما ينبغى عليها أن تواجه المخاطر والمصاعب الكبرى والابتلاءات، وهى لا تملك سوى رحمة الله ومشاعر الحب المحيط بها.
من خلال هذا الكتاب الممتع تقول حسونة: «كان كل شىء فى حياتها يسير طبيعيا وموحيا بالخير والأحداث السعيدة، نجاح على المستوى الأسرى والعملى، تفوق لافت فى إدارة واحدة من أكبر المؤسسات ا لخيرية العاملة فى مصر، وتوّج الأمر باختيارها من رئاسة الجمهورية نائبة فى مجلس النواب، ثم وقع الأمر فجأة كعاصفة بدون سابق إنذار».
تحية لروح الدكتورة أنيسة حسونة، وتحية أيضا لسوسن مراد عز العرب ومؤسسة «الأهرام» على رعايتها لمثل هذا النوع من تكريم النماذج الملهمة التى نحتاج إلى الكثير منها هذه الأيام حتى نتمكن من مواجهة الصعاب الكثيرة التى تحيط بنا.