بقلم: عماد الدين حسين
قبل أيام قابلت أحد المزارعين واشتكى من سياسات الحكومة فيما يتعلق بملف القمح. حاولت تهدئته وسألته: ما الذى حدث؟
قال إنه لم يزرع قمحا هذا العام، ولكن الحكومة تريد منى أن أورد لها ١٢ إردبا قمحا طبقا للقرارات الجديدة.
قلت له ولكن ما تقوله مستحيل، فكيف تطالبك الحكومة بتوريد القمح، وأنت لم تزرعه من الأساس؟!
هنا كانت المفاجأة أن هذا المزارع لم يزرع بالفعل حقله قمحا، ولكنه «حيز» أو سجل فى الجمعية الزراعية الأرض على أساس أنها ستزرع بالقمح، للحصول على الأسمدة أو «الكيماوى» المدعوم من الحكومة.
وبالتالى فإن الحكومة تطالبه بأن يورد إليها ١٢ إدربا من حصيلة إنتاج الفدان.. قلت للمزارع، ولكنك فى هذه الحالة أنت غشاش، والحكومة لم تظلمك حينما طالبتك بتوريد القمح، فكانت إجابته مرتبكة وأنه يريد الأسمدة المدعمة، لأن الحكومة حررتها تقريبا وأسعارها زادت بصورة كبيرة.
حينما عرفت هذه القصة، كنت أعتقد أنها حالة أو حالات فردية، لكن فيما بعد أدركت أنها ظاهرة عامة للأسف.
للأمانة غالبية الفلاحين الذين وقعوا فى هذا المحظور فعلوا ذلك قبل حدوث الأزمة الأوكرانية الروسية، وقبل قرار الحكومة المصرية بإلزام الفلاحين بتوريد ١٢ إردبا قمحا عن كل فدان. ويبدو أن بعض الفلاحين كانوا يغشون فى مسألة الأسمدة، ولكنها كانت لا تمثل مشكلة باعتبار أن الحكومة لم تكن تلزم الفلاحين بتوريد أى كميات من القمح، بل تترك الموضوع للعرض والطلب، وتغريهم بالسعر المرتفع للإردب، وبالتالى تضمن الحصول على الكمية التى تحتاجها من القمح المحلى حتى توفر القمح اللازم للخبز المدعم الذى تبيعه لـ ٧٠ مليون مصرى بخمسة قروش للرغيف علما أن سعره المحرر يتجاوز ٧٥ قرشا.
ولأنه يبدو أن عددا كبيرا من الفلاحين فعل مثل المزارع الذى بدأت به الحكاية، ولأن الموضوع بدأ يصبح مهما، فقد تحدث الدكتور على المصيلحى فى مجلس الشيوخ يوم الأحد الماضى، وكشف عن تشكيل لجنة من جهات مختلفة تكون مهمتها التأكد هل قام الفلاحون بزراعة القمح فعلا وبالتالى وجب عليهم التوريد، أم أنهم كانوا مجرد «طماعين» للحصول على الأسمدة المدعمة، وبالتالى يتم إعفاؤهم من توريد الـ١٢ إردبا عن كل فدان. الدولة تريد أن تؤمن الكمية اللازمة لقمح الخبز المدعم فى ظل الأزمة الصعبة للحرب الروسية الأوكرانية. وفى ظل أن ٨٠٪ من وارداتنا تأتى من البلدين، ثم إننا الدولة الأولى فى استيراد القمح عالميا بنحو ١٢ مليون طن تمثل نحو ٥٥٪ من استهلاكنا، والباقى يأتى من القمح المحلى.
ولأن الموضوع مهم ومُلح فقد كان طبيعيا أن ينعقد اجتماع خاص لمجلس المحافظين برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء يوم الثلاثاء الماضى.
مدبولى قال عقب هذا الاجتماع إن القمح هو الملف الأهم المطروح على جدول أعمال الحكومة حاليا، وإنها ستتعامل بكل حسم مع الفلاحين الذين لا يلتزمون بتوريد الـ١٢ إردبا عن كل فدان، كما تم إصدار قرار بمنع تداول القمح حتى أغسطس المقبل فى إطار منظومة القمح التى تم الإعلان عنها قبل أسابيع.
المحافظون سوف يتواصلون مباشرة مع الفلاحين للتعرف عن قرب على أبرز المشكلات التى تواجههم فى عملية التوريد، وسيتم ربط الحصول على الأسمدة المدعمة بإيصالات توريد القمح، وسيكون كل محافظ ملتزما بتوريد الكمية المتفق عليها مع الفلاحين.
هذه هى الصورة العامة على أرض الواقع. وأتمنى من الحكومة وهى تقوم بالتأكد من عملية التوريد أن يكون بالها طويلا، لأننا قد نكتشف أن عددا من الفلاحين لم يورد الكمية المطلوبة لأسباب متعددة منها اعتقاد الفلاحين أنهم مظلومون فى هذه الصيغة، أو أن سعر التوريد منخفض مقارنة بالسعر العالمى الذى تشترى به الحكومة من الخارج، أو أنهم يحتاجون كميات أكبر لاستهلاكهم الخاص فى بيوتهم.
فى كل الأحوال المطلوب بصفة عاجلة أن نحقق هدفين أساسيين الأول الحصول على الكمية المطلوبة من القمح المحلى، والثانى هو عدم الاصطدام بالفلاحين، وأن يتم التعامل بهدوء وحكمة وروية معهم. أما الهدف الأساسى والدائم وبعد نهاية موسم القمح أن نفكر فى استراتيجية دائمة للتعامل بين الحكومة والفلاحين شعارها الأساسى هو كيف ندعم الفلاحين والمزارعين بصورة جادة تجعلهم يقبلون على الزراعة ولا يهربون منها ووقتها سوف نكتشف أننا كنا ندعم المزارعين الأجانب على حساب أولاد بلدنا.