بقلم: عماد الدين حسين
فجر يوم الخميس الماضى وخلال توجهنا من القاهرة إلى توشكى بطائرة عسكرية، عرفنا، أن الرئيس عبدالفتاح السيسى سيلتقى مع رؤساء التحرير والإعلاميين الحاضرين للاحتفال بافتتاح موسم حصاد القمح فى توشكى.
كان خبرا سعيدا لأن أى صحفى جاد يتطلع دائما أن يلتقى مع مصدر المعلومات الأول، وهو رئيس الجمهورية ليسمع منه مباشرة ويطلع على تفاصيل وحقائق القضايا.
تم الافتتاح فى السابعة صباحا وقمنا بالجولة التفقدية مع الرئيس، ثم عدنا مرة أخرى لقاعة اللقاء، الذى بدأ فى التاسعة والنصف صباحا واستمر ساعتين تقريبا.
الرئيس طلب من الزملاء أن يوجهوا كل ما يريدون من أسئلة، وأنه سيجيب عنها مرة واحدة حتى يضعها فى سياقها الطبيعى.
النصيب الأكبر من الأسئلة كان متعلقا بما يواجهه الاقتصاد المصرى حاليا خصوصا بعد الأزمة الأوكرانية.
خلال الحوار قال الرئيس: «إننا بحاجة إلى حوار سياسى يتناسب مع فكرة بناء أو إطلاق الجمهورية الجديدة، وأنه كان يعتزم إعلان ذلك الأمر بتفاصيل أكثر خلال إفطار الأسرة المصرية».
حينما انتهى اللقاء وغادرنا توشكى عائدين إلى القاهرة، وعادت شبكة المحمول لقوتها، فوجئت أن هناك اتصالات كثيرة من وسائل إعلام مصرية وعربية تسأل تحديدا عن مغزى هذه الفقرة ومدلولاتها وإلى أى مدى يمكن أن تتطور؟.
الرئيس يتحدث دائما عن الإصلاح الاقتصادى والاجتماعى والثقافى والدينى، لكن الحديث عن الإصلاح السياسى لم يكن يستغرق جانبا كبيرا، لأنه حسب رؤية البعض فإن الإصلاح السياسى لابد أن يكون متمما ونتيجة للإصلاحات السابقة وليس العكس، وأن الشعب الجائع أو المحتاج لا يمكنه أن يمارس الديمقراطية بصورة صحيحة، وسيكون هدفا سهلا لكل القوى المحلية والأجنبية التى لا تريد خيرا للبلاد، فى حين توجد رؤية أخرى تقول إنه من دون إصلاح سياسى يصعب تحقيق إصلاح اقتصادى طويل المدى.
فى مسألة الحوار السياسى لم يقدم الرئيس أى تفاصيل، باستثناء أن يكون هذا الحوار السياسى بين الحكومة والأحزاب والقوى السياسية والمجتمع المدنى.
وبطبيعة الحال فالجميع فى انتظار أن يقدم الرئيس السيسى التفاصيل الكاملة لهذا الحوار، خلال إفطار الأسرة المصرية مساء اليوم الثلاثاء، أو فى الأيام المقبلة.
طبعا من حق الجميع أن يدلى بدلوه فى هذه القضية المهمة من وجهة نظره، ويا حبذا لو كان هؤلاء ملمين بطبيعة المشهد العام فى مصر والمنطقة والعالم، ولا يتحدثون فى أمور مطلقة.
أحترم حق كل مواطن يطالب بإطلاق الحريات السياسية إلى أقصى مدى، طالما أنها كانت فى إطار القانون والدستور، لكن من الحكمة أيضا أن نكون واقعيين حتى لا نعيش فى أوهام تؤدى إلى كوارث لا قدر الله وبالتالى فأنا أؤمن بسياسة الخطوة خطوة فى هذه القضية.
المدخل الأساسى للحوار الوطنى أن تكون هناك نقاشات وحوارات جادة بين الحكومة والقوى السياسية المختلفة، وأن تكون هناك ورقة عمل تتضمن الهدف من هذا الحوار وقضاياه الرئيسية.
وأتمنى أن يكون هناك اتفاق مسبق على ما يمكن تسميته بالثوابت الأساسية التى يتفق عليها الجميع، حتى لا يطمح من فى قلوبهم مرض.
من بين هذا الثوابت أن هذا الحوار يجب أن يشمل كل القوى المؤمنة بالقانون والدستور والدولة المدنية، وأن يستبعد كل قوة أو حزب أو جماعة ظلامية لا تؤمن بالدولة المدنية أو تشجع على العنف والإرهاب والتخريب، أو حتى تكون شاركت فى ذلك تلميحا أو تصريحا.
فى المقابل فعلى الحكومة أن تؤمن بأنها لا تحتكر الحقيقة وحدها، وأن المشكلات الصعبة خصوصا الاقتصادية تتطلب منها أن تستمع إلى أكبر عدد من الآراء فى كيفية الخروج من هذه الأزمة، وبالتالى لابد من زيادة مساحة حرية الرأى والتعبير.
وأتمنى أن تقدم الحكومة فى الأيام المقبلة بعضا من إشارات «حسن النية»، وفى هذا الصدد ينبغى أن نقدم التحية لكل من ساهم فى قرار الإفراج عن ٤١ من المحبوسين احتياطيا يوم الأحد الماضى خصوصا المجلس القومى لحقوق الإنسان وبعض الشخصيات السياسية نهاية بالأجهزة الأمنية ومؤسسة الرئاسة.
هذه خطوة جيدة وموفقة، ونتمنى أن تتكرر حتى ننزع أكبر قدر من الألغام الموجودة فى حياتنا السياسية وننطلق للأمام لعلاج مشاكلنا «المتلتلة».
لكن ربما يكون هناك سؤال جوهرى لابد من مناقشته وهو: من الذى سيشارك فى الحوار، وهل لدينا بالفعل أحزاب وقوى سياسية حقيقية يمكنها أن تدخل فى حوار سياسى؟!