بقلم: عماد الدين حسين
فى الأيام الماضية وقعت مصر مع كل من السعودية وقطر والإمارات اتفاقيات وبروتوكولات تعاون اقتصادى مختلفة.
والسؤال: ما الذى دفع مصر إلى توقيع هذه الاتفاقات فى الوقت الذى اعتقد الجميع أن برنامج الإصلاح الاقتصادى قد أنهى حاجة الاقتصاد المصرى إلى توقيع مثل هذه الاتفاقيات؟!
وفى التفاصيل فقد وقعت مصر والسعودية يوم الأربعاء الماضى اتفاقا يستثمر بموجبه صندوق الاستثمارات العامة السعودى فى مصر بما يحقق أهداف مصر فى جذب الاستثمارات بالعملات الأجنبية.
وفى نفس اليوم ذكرت وكالة الأنباء السعودية أن المملكة أودعت ٥ مليارات دولار فى البنك المركزى المصرى.
وفى أكتوبر الماضى أودعت السعودية ٣ مليارات دولار أخرى فى البنك المركزى، ومددت آجال ودائع أخرى سابقة قيمتها ٢٫٣٦ مليار دولار، وبالوديعة الجديدة، يصل محمل الودائع السعودية إلى ١٠٫٣مليار مليار دولار.
قبلها بيوم واحد أى الثلاثاء أعلن مجلس الوزراء أنه تم الاتفاق مع قطر على مجموعة من الاستثمارات والشراكات فى مصر بإجمالى ٥ مليارات دولار. لكن لم يتم الإعلان عن طبيعة هذه الاستثمارات والشراكات خلال الزيارة التى قام بها كل من وزيرى الخارجية والمالية القطريين للقاهرة.
وقبل ذلك بنحو أسبوع تم الإعلان عن اتفاق بين الحكومة المصرية وصندوق الثروة السيادية فى أبوظبى القابضة يتضمن تنفيذ استثمارات تقدر بنحو ٢ مليار دولار مقابل شراء حصص مملوكة للحكومة فى مؤسسات مالية وصناعية.
يحسب للسعودية والإمارات أنهما وقفا وقفة صديق بحق بجوار مصر عقب ثورة ٣٠ يونية ٢٠١٣، وقدما لها كل ما تحتاجه من دعم، ولا يمكن لعاقل أن ينسى الجهود الدبلوماسية للبلدين فى دعم الثورة، وخلافهما الحاد مع إدارة الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما بضرورة عدم دعم هذه الثورة.
إضافة لذلك، قدم البلدان مساعدات اقتصادية متنوعة لمصر مكنتها من الصمود فى وجه العاصفة الدولية والإقليمية الهادفة لإدخالها فى نفس المصيدة التى وقعت فيها العديد من دول المنطقة. فى هذا الوقت اختارت قطر أن تقف بجوار جماعة الإخوان، وكان لكل من قطر وتركيا وليبيا ودائع فى البنك المركزى المصرى، تم سدادها فى وقتها، من دون تمديد. والآن بدأت العلاقات تتجه لتصبح طبيعية.
بالطبع لم يكن متصورا أن تستمر المساعدات الخليجية إلى ما لا نهاية، ولا يعرف كثيرون أن هذه المساعدات متوقعة تماما «تقريبا» منذ عام ٢٠١٥، وبدأت مصر الاعتماد على نفسها، وعلى برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى بدأ بتحرير أو تعويم الجنيه أمام العملات الأجنبية فى ٣ نوفمبر ٢٠١٦، وكذلك بدء هكيلة دعم الوقود ومعظم أنواع الدعم.
سارت الأمور بصورة جيدة، وكان مفترضا أن يبدأ المصريون فى الشعور بالآثار الإيجابية للإصلاح الاقتصادى، لكن فاجأتهم وفاجأت العالم جائحة كورونا فى بداية عام ٢٠٢٠، وعندما بدأت آثارها فى التراجع، تفاجأ العالم بجائحة سياسية عسكرية اقتصادية وليست وبائية، وهى الصراع الروسى الغربى فى أوكرانيا، ومن سوء الحظ أن مصر كانت واحدة من أكثر الدول تضررا من هذه الحرب لأنها تعتمد على البلدين فى مجالين مهمين جدا هما استيراد الحبوب والسياحة، إضافة إلى أن الحرب أدت إلى ارتفاع أسعار البترول بصورة كبيرة وصلت ذات يوم إلى ١٣٩ دولارا للبرميل.
وبسبب الحرب أيضا اضطرت العديد من دول العالم إلى رفع أسعار الفائدة فى البنوك، خصوصا الولايات المتحدة، مما جعل غالبية دول العالم تتخذ خطوة مماثلة، ومنها مصر، لمواجهة التضخم، كما اضطرت مصر لمواجهة الأزمة أن تخفض قيمة الجنيه بنسبة وصلت إلى ١٥٪.
وبسبب كل ما سبق فإن الاقتصاد المصرى صار فى حاجة إلى مساعدة مالية واقتصادية واستثمارية من الأشقاء والأصدقاء ومؤسسات التمويل الدولية. وهنا اضطرت مصر أيضا إلى طلب قرض جديد من صندوق النقد الدولى، يتم التفاوض عليه الآن من أجل مواجهة الظروف الصعبة المستجدة.
لكن نعود مرة أخرى ونسأل: أى نوع من المساعدات والاستثمارات تريده مصر، وأيهما أفضل لاقتصادها، هل هو الودائع فى البنك المركزى، أم الاستثمارات المباشرة، أم الاتفاقات مع صندوق النقد الدولى وبقية المؤسسات الدولية، أم توسع دول الخليج فى شراء أصول اقتصادية مصرية فى مجالات متعددة، أم بيع السندات فى الأسواق الدولية، أم خليط من كل ما سبق، وما هو فوائد وأضرار كل نوع مما سبق لاقتصاد بلدنا؟