بقلم: عماد الدين حسين
حينما أعلن عن اجتماع وزراء خارجية أمريكا وإسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب مساء الجمعة الماضى، فإن الإعلان كان يشير إلى أن مكان اللقاء سيكون مدينة القدس.
فى هذا اليوم لم يكن معروفا بالمرة أن مصر ستشارك فى هذا الاجتماع غير المسبوق.
لم يحدث من قبل أن اجتمع هذا العدد من الدول العربية فى إسرائيل منذ زرعها عنوة فى المنطقة عام ١٩٤٨. ربما تواجد مسئولون مصريون وأردنيون وفلسطينيون فى لقاء مع مسئولين إسرائيليين، تخص عملية السلام، حينما كانت هناك عملية سلام قبل أن «تموت إكلينيكيا».
مساء السبت الماضى تم الإعلان أن مصر ستشارك فى اللقاء الوزارى أو «القمة الوزارية» وسوف يمثلها السفير سامح شكرى وزير الخارجية، لكن الجديد أنه تم الإعلان أن الاجتماع سيكون فى فندق بمدينة «سديه بوكير» فى صحراء النقب، التى تضم العديد من السكان الفلسطينيين وبعضهم من البدو، وضمتها إسرائيل بعد نكبة ١٩٤٨. وظنى أن مصر أصرت ألا تحضر اجتماعا مثل هذا فى القدس، حتى لو كانت القدس الغربية التى تتواجد فيها معطم الوزارات الإسرائيلية منذ عام ١٩٦٧ وليس القدس الشرقية العربية المحتلة التى تريد من العالم أن يعترف بها عاصمة لها، لكنها لم تنل اعترافا إلا من الولايات المتحدة فى عهد ترامب وبعض دويلات فى البحر الكاريبى وأوروبا الشرقية.
وإذا كان هذا الاجتماع قد عقد فى القدس ــ لا قدر الله ــ لكانت سابقة خطيرة تعنى أن العرب هم الذين اعترفوا بها عاصمة لإسرائيل حتى لو كانت القدس الغربية وليست الشرقية.
الملاحظة الثانية أن الأردن غاب عن هذا الاجتماع، وهو الذى كان القاسم المشترك الأعظم فى كل اللقاءات العربية الإسرائيلية العلنية والسرية منذ نكبة ١٩٤٨، وحتى الآن، وبدلا من ذلك التقى العاهل الأردنى بالرئيس الفلسطينى فى رام الله فى نفس توقيت انعقاد القمة الوزارية.
الملاحظة الثالثة هى الحفاوة والدفء فى استقبال يائير لابيد وزير الخارجية الإسرائيلى لبعض وزراء الخارجية الذين وصلوا إلى النقب يوم الأحد الماضى. الإسرائيليون لا يفوّتون فرصة رمزية إلا واستغلوها. وهكذا وجدنا لابيد يحضن ويقبّل ويشد على أيادى بعض الوزراء، ويبتسم لهم ابتسامات واسعة، وكأنهم أصدقاء منذ زمن بعيد. ثم إنه كتب تغريدات متتالية على تويتر يرحب فيها بكل وزير على حدة، وهو أراد من وراء هذه التغريدات أن يبعث برسالة لكل من يهمه الأمر، عن الدرجة التى بلغتها علاقات إسرائيل بالدول العربية، وكم هى دافئة وعميقة ومتشعبة.
الملاحظة الرابعة، وهى أن البيانات الرسمية العربية أشارت إلى أن القضية الفلسطينية كانت على جدول أعمال هذه «القمة الوزارية». ربما يكون البعض قد طرحها بالفعل، خصوصا أن مصر لا تفوّت فرصة إلا وأعلنت أنه لا سلام ولا استقرار فى المنطقة من دون حل القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب المركزية.
لكن واقع الحال يقول إن هذه القضية تراجعت كثيرا للوراء لأسباب يطول شرحها وبالتالى فإن إثارتها، ربما يكون أقرب لعملية رفع العتب فى حين أن الموضوع المركزى الذى يهيمن على مثل هذا الاجتماع وغيره هو شكل المنطقة فى المرحلة المقبلة خصوصا إذا تم التوصل إلى اتفاق بين أمريكا والغرب مع إيران، إضافة إلى قضية الطاقة ومحاولة ضخ المزيد من النفط العربى فى الأسواق لمحاصرة روسيا والاستغناء عن بترولها وغازها المتجه لأوروبا بعد غزوها لأوكرانيا. ومن باب رفع العتب أيضا زيارة وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن للضفة الغربية ولقاؤه مع الرئيس الفلسطينى محمود عباس، حتى وإن كان بلينكن قال إن بلاده ما تزال تؤيد حل الدولتين.
ما سبق جانب من الملاحظات الشكلية والرمزية لهذا اللقاء، لكن الأهم هو ما الذى أراده كل طرف من أطراف لقاء النقب من هذا اللقاء غير المسبوق؟!
وهل صحيح أن وجهات النظر كانت متطابقة، وهل صحيح أن كل الأطراف ذهبت إلى هذا الاجتماع برغبتها، وأخيرا السؤال الأهم وهو هل هناك رابحون وخاسرون فى هذا اللقاء، وأى شكل للمنطقة العربية بعد هذه التطورات الدراماتيكية؟!
سأحاول الإجابة عن هذه الأسئلة، لكن لا أملك إلا أن أقول «ربنا يستر»!