بقلم: عماد الدين حسين
كالعادة وعقب كل عملية إرهابية خصوصا إذا كان ضحاياها كثيرين، تنشط ماكينة الشماتة من قبل مجموعات، بعضهم ينتمى مباشرة إلى هذه الجماعات الإرهابية، وبعضهم يتعاطف معها سرا أو علنا، وثالثهم ليس عضوا فى هذه الجماعات لكنه مستعد للتحالف مع الشيطان نفسه طالما أنه سيضر بالحكومة المصرية.
بعد العملية الإرهابية التى استهدفت عصر السبت الماضى محطة لرفع المياه بغرب سيناء، وأدت إلى استشهاد ضابط وعشرة جنود وإصابة خمسة جنود آخرين، وجدنا هذه المجموعات الشامتة تنشط بقوة ولم تستطع حتى أن تدارى فرحها ووصل بها الأمر للسخرية من القوات المسلحة المصرية.
أحترم حق كل مواطن أو جهة تختلف مع الحكومة أو النظام فى مصر، طالما أن لديها أفكارا وسياسات ورؤى وبرامج، سواء اتفقنا أو اختلفنا معها، المهم أن تكون هذه الخلافات فى أى إطار بعيدا عن العنف والإرهاب والتكفير.
لا ألوم كثيرا أنصار وأعضاء وكوادر هذه المجموعات الإرهابية، فهؤلاء تم غسل أدمغتهم، وباعوا أنفسهم للشيطان منذ زمن طويل، ويعتقدون واهمين أنهم «يجاهدون فى سبيل الله» وبالتالى لا يوجد كبير أمل فى علاجهم وعودتهم إلى الحالة السوية. وصار واضحا منذ يوم ٤ يوليو ٢٠١٣ أنه لا يوجد فارق كبير بين هذه الجماعات والتنظيمات.
جميعهم لا يؤمنون فى قرارة أنفسهم لا بالحرية ولا بالديمقراطية ولا بالتعددية، يؤمنون بها فقط، حينما يكونون خارج السلطة، أو حينما يخاطب بعضهم الغرب ووسائل إعلامه.
لكن الأغرب هو بعض الشخصيات والمجموعات التى هى ليست متطرفة دينيا وتصف نفسها بالليبرالية، ونجدها لا تدين هذه العمليات الإرهابية أو حينما تدينها تقرنها بشروط مختلفة، أو تدينها بمنطق «التقية»، وهى بهذا المعنى تلتمس الأعذار للإرهابيين والمتطرفين، وتعطيهم مبررات حتى يستمروا فى عملياتهم.
الطبيعى والمنطقى أن تفرق هذه الشخصيات والمجموعات بوضوح بين خلافهم السياسى مع الحكومة على قضايا ورؤى وأولويات معينة، وبين أن يناصروا ويدعموا هذه الجماعات الإرهابية بأى شكل من الأشكال.
المفترض أن هذه الشخصيات ــ التى تصف نفسها حينا بأنها ليبرالية وحينا بأنها غير المتطرفة دينيا ــ تدرك تمام الإدراك أن الجماعة الإرهابية لا تقاتل حكومتنا ونظامنا ومجتمعنا، من أجل تطبيق الديمقراطية مثلا، أو إشاعة القيم والأفكار الليبرالية، لا، هم لا يؤمنون لا بالديمقراطية ولا بالحريات، هم يؤمنون بالحاكمية فقط فى صورها القديمة جدا.
الإرهابيون لا يختلفون مع الحكومة حول برنامج الإصلاح الاقتصادى، أو الاجتماعى أو بشأن أى برنامج آخر.
الإرهابيون أيضا ليسوا حركة تحرر وطنى أو حتى قومى، تقدم رؤية اجتماعية أو سياسية مختلفة، كما فعلت حركات تحرير كثيرة قاتلت الاستعمار الأجنبى، أو اختلفت مع أنظمتها السياسية حول ضرورة الاستقلال عن المستعمر، أو تطبيق برامج العدالة الاجتماعية، كما حاول مثلا فيدل كاسترو فى كوبا أو جبهة الساند ينستا فى نيكاراجوا أو تشى جيفارا فى بعض دول أمريكا اللاتينية، أو أنصار «لاهوت التحرير» فى نفس القارة.
البرنامج الوحيد لهذه الجماعات المتطرفة فى منطقتنا وعالمنا الإسلامى هو العودة بالمجتمع إلى أشد عصوره ظلاما، وليس حتى إلى فترات ازدهار الحضارة الإسلامية حينما سادت العالم وقدمت أروع النماذج فى الانفتاح والتسامح والتنوير والعلم.
برنامج هذه الجماعات الظلامية رأينا بعض تجلياته الحديثة ابتداء من عام ٢٠١٤ فى الرقة بسوريا والموصل بالعراق، حينما تمكنوا من السيطرة على نصف سوريا والعراق.
ثم نراه يعود الآن مرة أخرى فى أفغانستان بفصل الرجال عن السيدات وإلزام السيدات بارتداء البرقع، وتحجيم تعليمهم.
إذا كان هؤلاء الارهابيون لا يخفون وجههم الحقيقى، ولا يناورون، ولا يتجملون، فلماذا تصر بعض الشخصيات على التماس العذر لهم، ولماذا يتجرأ البعض بالفرح والتهليل لعملياتهم الإجرامية، لمجرد اختلافهم مع النظام فى مصر؟!
أى شخص أو جهة لا تدين بكلمات واضحة لا لبس فيها هؤلاء الإرهابيين وعملياتهم وفكرهم، هم شركاء لهم فى جرائمهم، ولن يفيدهم أن يتستروا خلف لافتات متنوعة.
اختلفوا مع الحكومة أو النظام كما تشاءون، لكن وقوفكم مع الإرهابيين ولو بالكلمة أو الشماتة لن يغفره الشعب لكم.