بقلم: عماد الدين حسين
السؤال الذى يتبادر إلى ذهن كثيرين بشأن الحوار السياسى هو: هل لدينا أحزاب وقوى سياسية حقيقية لها تأثير فكرى وثقل جماهيرى فى الشارع المصرى؟
دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى للحوار السياسى مهمة جدا، ولكى تنجح فإن الحوار يحتاج إلى متحاورين، فمن هى الأطراف التى يفترض أن تحضر مثل هذا الحوار، وما مدى قوتها فى الشارع؟!
الطرف الرئيسى الأول هو الحكومة أو السلطة أو النظام، وهى الطرف الفاعل، وتتمتع الآن باستقرار ملحوظ بعد أن تمكنت بمساعدة المجتمع بأكمله من دحر قوى العنف والتطرف والإرهاب، بل وتحييد القوى الدولية المساعدة لهم.
الطرف الثانى هو الأحزاب السياسية. على الورق لدينا ١٠٤ أحزاب سياسية، وفى الواقع قبل ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ كان عدد الأحزاب السياسية المسجلة رسميا ٨٤ حزبا، لكنها ارتفعت بعد الثورة لحوالى ١٠٧ أحزاب ما بين قانونية إلى تحت التأسيس، وبعد ثورة ٢٠١١ تم حل الحزب الوطنى الديمقراطى الذى كان حاكما، وبعد ثورة ٢٠١٣ تم حل حزب «الحرية والعدالة» الإخوانى الذى كان حاكما أيضا. الحزب الحاكم عمليا الآن هو «مستقبل وطن»، ومعه فى البرلمان أحزاب «حماة وطن» و«الشعب الجمهورى» و«الوفد» وأحزاب صغيرة أخرى.
الانتخابات البرلمانية الأخيرة شهدت شكلا جديدا وغير مسبوق ربما فى الحياة السياسية، وهو اندماج غالبية الأحزاب فى قائمة واحدة، لا تواجه منافسة حقيقية، وبالتالى يصعب قياس قوة هذه الأحزاب على أرض الواقع، بين المواطنين، الذين اندفع عدد منهم لعضوية هذه الأحزاب بحثا عن المنافع والمصالح أكثر من إيمانهم ببرامج هذه الأحزاب وأفكارها.
غالبية الأحزاب المصرية كرتونية وضعيفة وصار السوس ينخر فيها، ولا توجد بها ممارسة سياسية حقيقية، وقادتها حولوها إلى عزب لهم ولأسرهم ومحاسيبهم، وهذه الأحزاب تتحمل المسئولية الأساسية عن حالة الضعف التى وصلت إليها. لكن رغم ذلك لا يمكن تجاهل دور الحكومات المتعاقبة فى الحال التى وصلت إليه هذه الأحزاب.
هل معنى ذلك أن الصورة سوداوية وقاتمة؟
الإجابة هى لا، لأن هناك بعض التطورات أثبتت أن هناك بصيصا من الأمل فى انتخابات حزب الوفد ونقابة المهندسين قبل حوالى شهر ونصف، والتى أسفرت عن تغييرات فى قمة الهرم.
إضافة للأحزاب التقليدية لدينا أيضا تنسيقية شباب الأحزاب، وصارت تضم عناصر متميزة يمكن أن نقول عنها أنها اكتسبت خبرة سياسية جيدة، لكن السؤال أيضا هل يمكن لعناصر هذه التنسيقية خوض انتخابات ذات طبيعة تنافسية حقيقية؟ سؤال لا أعلم إجابة صادقة عنه.
أظن أن إدخال هواء نقى داخل الأحزاب المصرية كفيل بأن يجعلها تتطور وأن تعود لطبيعتها وهى أن تكون مدارس للتربية السياسية والتنافس للوصول إلى الحكم وتطبيق برامجها السياسية المختلفة. ونحتاج أيضا إلى تغير النظرة الخاطئة لكثير من المواطنين حينما يتعاملون مع هذه الأحزاب باعتبارها الباب الملكى للحصول على وظيفة أو الترقى فى الوظيفة الموجودة، أو الاندماج فى شلة تقود للحصول على منافع متعددة.
أظن أيضا أن الحكومة بحاجة إلى ضرورة الإدراك بأن من مصلحتها على المدى البعيد وجود قوى سياسية معارضة لها، طالما أن ذلك يتم تحت سقف القانون والدستور والدولة المدنية.
لا نريد أحزابا على أساس دينى أو فئوى أو مذهبى بل أحزابا مدنية حقيقية.
لا نريد انفلاتا بوجود مائة أو حتى خمسين حزبا. بل عدد قليل من الأحزاب التى تعبر عن الأفكار الرئيسية فى المجتمع وهى اليمين واليسار والوسط بتنويعات مختلفة. وإذا نجحنا فى ذلك نكون قد أسسنا لثقافة سياسية يمكن لها أن تتطور وتتقدم.
نعلم جميعا أن التربة الحزبية المصرية هشة لأسباب يطول شرحها، لكن استمرار ذلك قد يقود ــ لا قدر الله ــ إلى عودة القوى الدينية المتطرفة فى أى وقت، وإذا حدث ذلك سنندم ندما شديدا.
نريد ممارسة حزبية حتى فى إطار هندسة سياسية مؤقتة، حتى نضمن قوة ومتانة الحياة والمؤسسات والأحزاب السياسية.
ليس عيبا أن نفعل ذلك، لكن الخطر أن يتم الاستمرار فى تجريف الحياة السياسية.
نتمنى أن يقود الحوار السياسى المأمول إلى تغييرات تؤدى إلى مناعة الدولة المصرية فى وجه الأزمات والأعاصير التى تضرب المنطقة والعالم.
وقد يسأل البعض: وإذا كان هذا هو حال الأحزاب القائمة، فما هى القوى الفاعلة بالمجتمع فى الوقت الراهن؟