بقلم : عماد الدين حسين
هى المرة الأولى التى أشارك فيها فى مراقبة الانتخابات فى أى مكان.
غطيت كثيرا من الانتخابات فى مصر كصحفى وشاركت كناخب، لكن أن أدخل اللجان الانتخابية كمراقب فقد كانت تجربة جديدة بالنسبة لى.
قبل شهرين تلقيت دعوة كريمة من دولة أوزبكستان عبر القائم بعمل سفيرها فى القاهرة لطف الدين خوجينوف للمشاركة فى مراقبة الانتخابات الرئاسية، التى جرت يوم الأحد الماضى.
قبلت الدعوة فورا لأن أوزبكستان بلد مهم للغاية، وكان له مساهمة كبيرة جدا فى الحضارة الإسلامية، وسأعود لهذا الموضوع لاحقا إن شاء الله.
رحلة السفر كانت طويلة وبدأت من مطار القاهرة فى التاسعة من صباح الخميس الماضى، وصولا إلى دبى كمحطة ترانزيت ونهاية بالعاصمة طشقند فى الثالثة فجر الجمعة.
كان مفترضا أن أشارك فى مراقبة الانتخابات فى بعض لجان مدينة بخارى التاريخية التى ولد فيها الإمام البخارى، لكن تغير المسار لأذهب إلى مدينة تاريخية أخرى هى سمرقند، برفقة الصديقين محمود مسلم وأحمد المسلمانى وكان معنا أيضا النائب المعروف عبدالهادى القصبى والدكتور مجدى زعبل رئيس جمعية الصداقة المصرية الأوزبكية والمستشار حمدى أبوالعينين.
قبل الانتخابات تجولت كثيرا فى شوارع العاصمة طشقند بالسيارة أو سيرا على الأقدام، ولم ألحظ أى مظهر يدل على وجود الانتخابات. سألت المرافقين والمترجمين فلم يقدموا لى تفسيرا متكاملا، ولكن المترجم الأخير الذى قابلته فى سمرقند، قال لى إنه تم إزالة كل مظاهر الدعاية قبل بدء الانتخابات بيومين طبقا لما ينص عليه قانون الانتخابات، هو تفسير معقول، لكن لم أكن قد رأيت أى دعايات للمرشحين الخمسة فى شوارع العاصمة النظيفة جدا قبل الانتخابات بأكثر من يومين.
فى سمرقند دخلت أنا ومحمود مسلم ثلاث لجان، اثنتان فى مدارس والثالثة فى أحد المتاحف.
اللجان نظيفة ومعدة جيدا، والإجراءات الاحترازية بشأن فيروس كورونا شديدة جدا.
فى أوزبكستان ومثل دول كثيرة، لا يوجد إشراف قضائى بالصورة التى نعرفها فى مصر ــ وبالطبع لها ظروفها وأسبابها ــ لكن هناك إداريون يديرون الانتخابات تحت إشراف لجان وهيئات الانتخابات، يفترض أن تكون مستقلة.
فى اللجان التى دخلناها فإن مديرة المدرسة غالبا تكون هى رئيسة اللجنة، ويعاونها إداريون معظمهم من المدرسة نفسها.
المرشحون للانتخابات الرئاسية خمسة أبرزهم بالطبع الرئيس الحالى شوكت ميرضاييف، والذى فاز بنسبة تجاوزت ٨٠٪، فى حين حصل المرشحون الأربعة مجتمعون على حوالى ٢٠٪ وهم أساتذة جامعة وليس لهم ثقل سياسى حقيقى.
وهناك لافتة كبيرة على مدخل كل لجنة بها صور ومعلومات رسمية للمرشحين الخمسة، بحيث يمكن لكل شخص أن يطلع على البيانات، وأهم الأفكار فى البرنامج الانتخابى، وهناك أيضا كشوف بأسماء كل من يحق لهم الأداء بأصواتهم.
دخلنا اللجنة الأولى فى الساعة الثانية عشرة ظهرا وخمسة وعشرين دقيقة أى بعد أربع ساعات ونصف الساعة من بدء عملية التصويت التى استمرت للثامنة مساء، وحينما سألت رئيسة اللجنة عن عدد من أدلوا بأصواتهم قالت لى إن هناك ١٥٠٠ ناخب أدلوا بأصواتهم من بين ٢٧٦٢ ناخبا أى أكثر من ٥٠٪، وهى بالطبع نسبة كبيرة جدا. وفى اللجنة الثانية قالت لنا رئيستها إن عدد الناخبين ٢١٨٨ وعدد من أدلوا بأصواتهم ٤٠٠ ناخب. فى حين أن عدد الناخبين فى اللجنة الثالثة ٢٢٠٠ وعدد من أدلوا بأصواتهم ١٤٠٠ وهى نسبة أيضا تفوق الخمسين فى المائة بكثير.
سألت رئيسة لجنة كم تتوقعين أن تكون نسبة المشاركة، فقالت لى بحماس إنها تتوقع مشاركة الجميع أى مائة فى المائة، فى حين أن النسبة تجاوزت الـ ٨٠٪ طبقا للبيان الرسمى الذى صدر ظهر أمس.
من بين المظاهر الإيجابية وجود كاميرات مراقبة فى اللجان، وأيضا غياب المشاجرات والمشاحنات والشحن والرشاوى المالية والتعبئة التى نراها فى بعض دول العالم الثالث.
طبعا من المهم النظر إلى التجربة الأوزبكية فى التحول الديمقراطى نظرة واقعية، فالدولة التى سوف تحتفل العام المقبل بمرور ٣٠ عاما على استقلالها من الاتحاد السوفييتى المنهار، مرت بمرحلة جمود وانغلاق كبيرة فى عهد الرئيس إسلام كريموف، ثم بدأت تنفتح بوتيرة متسارعة فى عهد الرئيس الحالى شوكت ميرضاييف، الذى تولى الحكم للمرة الأولى عام ٢٠١٦، خصوصا فى مجالات الاقتصاد والحريات، وإقامة علاقات مصالحية مع الجيران ومع القوى الكبرى فى المنطقة خصوصا الصين وروسيا.