بقلم: عماد الدين حسين
فى الأيام الماضية كتبت أكثر من مقال عن تداعيات الأزمة الأوكرانية على الاقتصاد العالمى، خصوصا مقالين الأول بعنوان «إفلاس سريلانكا.. من التالى؟!»، يوم السبت الماضى، ثم مقال آخر أمس الأول الاثنين بعنوان: «ماذا يعنى إفلاس دولة؟!».
الفكرة الجوهرية من المقالين كانت محاولة رصد تأثيرات وتداعيات الأزمة الأوكرانية، وقبلها أزمة كورونا على الاقتصاد العالمى.
وعقب نشر المقال الثانى فوجئت بأكثر من اتصال من أصدقاء أعزاء، ومن شخصيات مرموقة ومن قراء لا أعرفهم يبدون انزعاجهم من هذه المقالات، ويخشون أن تكون تمهيدا لأزمات ستحدث فى مصر، لا قدر الله.
أما المفاجأة الأكبر فكانت من أصوات جهولة تزعم أن ما كتبته هو تمهيد للرأى العام للأيام الصعبة جدا المقبلة.
ولكل هؤلاء الذين اتصلوا مشكورين أو ساورهم أى قلق أقول بوضوح إنه ورغم كل الأزمات، فالحمد لله اقتصادنا المصرى قوى ومتنوع، وقادر على تجاوز هذه الأزمة مثلما تجاوز أزمات كثيرة مماثلة صعبة فى الماضى.
نعم هناك مشاكل اقتصادية فى مصر، لكن بالفعل اقتصادها ليس هشا أو ضعيفا كما هو الحال فى العديد من التجارب والنماذج التى كشفتها الأزمة الأوكرانية.
لو لم يكن هذا الاقتصاد قويا ما أقدمت مؤسسات التمويل الدولية على إقراضه كل هذا الحجم من القروض، ولا تعاملت معه، ولا أصدرت العديد من شهادات الثقة التى تؤكد أنه قوى.
على سبيل المثال فإن صندوق النقد الدولى يفاوض الحكومة المصرية هذه الأيام كى يقرضها ما بين ٢ و ٣ مليارات دولار، وهو مما يرفع حجم القروض المقدمة من الصندوق لمصر إلى ٢٤ مليار دولار وهو ما يجعلها أكبر المقترضين من الصندوق بعد الأرجنتين التى اقترضت ٥٧ مليار دولار.
من علامات تماسك الاقتصاد المصرى أيضا هناك التدفقات النقدية الخارجية فى الأيام الأخيرة.
هناك الوديعة السعودية وقيمتها خمسة مليارات دولار، فى الاحتياطى النقدى بالبنك المركزى، ثم إعلان السعودية أيضا عن نيتها ضخ ١٠ مليارات دولار كاستثمارات فى مصر، وفى نفس التوقيت أعلنت قطر عن ضخ استثمارات بقيمة خمسة مليارات دولار. وهناك شراكة بين مصر والإمارات فى صندوق استثمارى قيمته عشرين مليار دولار، بدأت الإمارات نشاطها فيه بصفقة شراء حصص فى خمس شركات مصرية بقيمة اقتربت من ١٫٩ مليار دولار.
طبعا اللجوء لصندوق النقد الدولى وطلب المساعدات ليس شيئا يدعو الإنسان أو الدول للتفاخر به، لكن لو كنت مأزوما، واقتصادك متدهور ومتراجع، ما تقدم أحد لمساعدتك، وبالتالى فإن تعاون الصندوق ومؤسسات التمويل الدولية، إضافة للودائع والاستثمارات الخليجية هى علامات ثقة كبيرة فى الاقتصاد المصرى.
وكما يقول الخبراء والمتابعون كيف يكون اقتصاد دولة مهددا بالخطر فى حين أنها تزيد المرتبات والمعاشات والسلع متوافرة فى اسواقها طوال الوقت، ويضع مواطنيها نحو ٤٠٠ مليار جنيه ودائع فى البنوك خلال أسبوع؟!
المؤكد أن مصر تأثرت ودفعت ثمنا باهظا بسبب تداعيات الأزمة الأوكرانية خصوصا مع ارتفاع أسعار البترول والحبوب والعديد من السلع الأساسية التى تستوردها مصر، مما مثل ضغوطا على الجنيه المصرى كانت سببا فى تخفيض قيمته أخيرا، وكذلك رفع سعر الفائدة، بسبب التضخم العالمى.
النقطة الجوهرية أن هذه ليست أزمة مصرية، أو راجعة بالأساس للسياسات الحكومية، بل هى أزمة عالمية عاتية، يدفع الجميع ثمنها بدرجة أو بأخرى.
وبالمصادفة وفى نفس توقيت كتابة هذا المقال قرأت العديد من التقارير عن الأزمات التى تواجه الكثير من الدول سواء كانت قوية مثل اليابان والاتحاد الأوروبى أو ضعيفة مثل بعض الدول الأفريقية. الأزمة عاتية وتضرب الجميع بلا هوادة مع فارق الدرجة والتأثير حسب مناعة اقتصاد كل دولة.
وخلاصة القول وكل من اتصلوا بى سائلين أو قلقين أقول لهم إن أحوالنا رغم صعوبتها الشديدة، هى أفضل كثيرا من آخرين، لكن المهم أن نتبع أكثر السياسات نجاعة وأفضل طرق الترشيد والتقشف فى الفترة المقبلة، حتى تمر الأزمة العالمية بسلام.