بقلم : عماد الدين حسين
يوم الأربعاء الماضى، قال مصدر مسئول بشركة مصر للطيران إن رسالة تهديد وهمية تسببت فى إلغاء رحلة شركة مصر للطيران من القاهرة إلى موسكو بعد إقلاعها من مطار القاهرة بنحو ٢٢ دقيقة.
رسالة تهديد مجهولة المصدر كتبها شخص ما على أحد مقاعد الطائرة، هى التى تسببت فى عملية الإلغاء.
هذا خبر قد يراه البعض عاديا، لكنه يحمل العديد من الدلالات التى يفترض أن ننتبه لها كافة.
قد يسأل البعض ببراءة: وهل من يريد أن يرتكب عملا إرهابيا سيقوم بكتابة رسالة على أحد المقاعد؟ ولماذا يتم إلغاء رحلة مثل هذه، والجميع يعلم أن الرسالة وهمية؟!
السؤال يبدو منطقيا، لكن التفكير الصحيح فى مثل هذه الأمور، هو التعامل بجدية مع أى بلاغ مشابه، حتى لو كانت نسبة جديته لا تتجاوز واحدا فى الألف. لأنه لو قدر الله وتبين أن البلاغ جاد، فقد يؤدى عدم التعامل معه بجدية إلى كوارث لا حصر لها.
ثانيا: ظنى أن معظم هذه الرسائل ليست بريئة أبدا، وتقف خلفها أجهزة كبرى وربما دول لتحقيق عدة مكاسب. وبالتالى لا يمكن تصور أنها عمل فردى لشخص متهور أو أحمق أو حتى خائن، وإذا حدث وثبت أنه عمل فردى فإن الخطورة واحدة؟!
وبالتالى فربما يمكن فهم مغزى هذه الرسالة وهدفها من البحث عمن يمكن أن يستفيد من الشوشرة على حركة الطيران فى مصر، وبالتالى على حركة السياحة، خصوصا بين مصر وروسيا.
نعلم جميعا أن انفجار طائرة الركاب الروسية فوق وسط سيناء فى نهاية شهر أكتوبر ٢٠١٥، ومصرع جميع ركابها وطاقمها وهم أكثر من ٢٢٠ شخصا، غالبيتهم من الروس تسبب فى وقف السياحة العالمية لمصر، خصوصا المتجهة للمقاصد السياحية، وبالأخص شرم الشيخ وجنوب سيناء مما كبد الاقتصاد المصرى خسائر فادحة.
وبعد مجهود ضخم عادت السياحة الروسية قبل أسابيع قليلة إلى شرم الشيخ ومنتجعات البحر الأحمر، كما عادت السياحة البريطانية والألمانية، والحمد لله أن السياحة المصرية بدأت «تشم نفسها» للمرة الأولى تقريبا منذ عام ٢٠١٠، وهو العام المثالى الذى يتم القياس عليه، حينما زاد عدد السائحين عن ١٢ مليون سائح، والإيرادات عن ١٢ مليار دولار تقريبا.
الذى وضع رسالة التحذير على أحد مقاعد طائرة مصر للطيران المتجهة لموسكو، لم يكن يمزح، وكانت رسالته واضحة جدا، وهى مزيد من الشوشرة على السياحة المصرية وتذكير السائحين الروس أن هناك قلقا ومشاكل فى كل من يفكر فى السفر لمصر.
من وضع الرسالة لم يكن بريئا، لأنه وضعها بعد أقل من يومين من قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى بعدم مد حالة الطوارئ.
هو يعرف أن هذا القرار يحسن من صورة مصر كثيرا فى الخارج، ويرسل رسالة واضحة للجميع أفرادا وحكومات فى الخارج بأن مصر صارت أكثر استقرارا بدليل أنها ألغت الطوارئ، وبالتالى فإن رسالته الأساسية من وراء البلاغ الوهمى هو إرسال رسالة لمن يفكر فى زيارة مصر. بأنها ليست آمنة وليست مستقرة، بل إن طائراتها مهددة بالانفجار، خصوصا أن كثيرا من الناس قد يقرأون خبر الإشاعة أو الكذب، لكنهم لا يقرأون النفى أو الحقيقة.
من وضع الرسالة الوهمية على مقعد شركة مصر للطيران أراد أن يرسل رسالة أساسية لكل من يهمه الأمر، أنه رغم إلغاء حالة الطوارئ فإن الوضع ما يزال غير مستقر، وبالتالى على السائحين خصوصا الروس ألا يفكروا فى المجىء لمصر، وربما أراد أيضا أن يستحث الإرهابيين والمتطرفين على التحرك.
من وضع الرسالة لا يريد لمصر أن تستقبل سائحين جددا أو حتى تستعيد سائحيها السابقين، اعتقادا أن كل سائح لا يأتى لمصر، يمكنه أن يتوجه إلى هذه الدولة أو تلك.
لا أحب إطلاقا نظرية المؤامرة، وسبق لى فى كثير من المرات أن كتبت ضدها بوضوح، وقلت إنها شماعة يعلق عليها كثيرون فشلهم وقلة حيلتهم، لكن مثل هذه الرسالة الأخيرة ليست بريئة بالمرة، وحتى لو كان أحد الأشخاص وضعها بصورة فردية لأى سبب من الأسباب، فإن قوى وتنظيمات وأجهزة ودول سوف تحاول أن تستفيد منها.
من أجل كل ذلك وجب علينا جميعا اليقظة والانتباه.