بقلم: عماد الدين حسين
يوم الخميس الماضى قررت الهيئة الوطنية للصحافة برئاسة عبدالصادق الشوربجى دمج مجلتى الكواكب وطبيبك الخاص فى مجلة حواء التى تصدر عن مؤسسة دار الهلال، على أن يتم إنشاء موقع إلكترونى خاص لكل إصدار اعتبارا من أول شهر يونيه المقبل، مع احتفاظ العاملين بكل وظائفهم وحقوقهم ومزاياهم المالية.
شخصيا أشعر بالأسف لتوقف أى مطبوعة لكن من المهم مناقشة القضية بصورة عقلانية وليست عاطفية فقط. وفى مثل هذا النوع من الجدل تتوه الحقيقة والصورة الشاملة، وكل طرف ينظر للمسألة من صورة ضيقة وذاتية، ويهمل بقية الجوانب
بمجرد الإعلان عن هذا القرار تفجر جدل كبير فى الوسط الصحفى بين تيارين أساسيين.
الأول يقوده الزملاء فى المطبوعات المدمجة، وبقية الزملاء فى دار الهلال، إضافة إلى عدد كبير من الصحفيين المصريين، وجميعهم يعارضون القرار بصورة جذرية، ويقولون إنه لا يعقل أن يتم إهدار ٩٠ عاما هى عمر مجلة الكواكب فى ١٩ صفحة فقط داخل مجلة حواء، وأن هذا القرار خاطئ ومتسرع وينبغى تجميده أو تأجيله حتى يتم وضع استراتيجية شاملة لمستقبل المطبوعات المدمجة، التى لعبت دورا مهما فى القوة الناعمة المصرية.
الفريق الثانى يرى أن القرار صحيح جدا وتأخر كثيرا، لأنه من الخطأ إهدار المزيد من الأموال العامة على مطبوعات لم تعد توزع أو حتى تؤثر، وأن إغلاق المطبوعات الخاسرة هى سياسة عالمية وليست مصرية فقط، وأنه ينبغى تطبيق نفس السياسة على بقية المطبوعات الخاسرة، مع الاحتفاظ بالصحف الثلاث الرئيسية فقط وهى الأهرام والأخبار والجمهورية.
هناك كثيرون يتفقون مع رؤية الفريق الثانى وهى أن هناك مئات الصحف المصرية التى ظهرت واختفت وبعضها كان مؤثرا جدا وله سمعة طيبة جدا، ومن يقرأ الكتب التى يدرسها طلاب الفرقة الأولى من كليات الإعلام عن تاريخ الصحافة فى مصر، سيكتشف أن هناك مئات الصحف المهمة توقفت لأسباب مختلفة، ومنها المؤيد والبلاغ والمصرى والإثنين، ولم يبقَ من الصحف الكبرى إلا الأهرام. وهناك صحف حزبية مصرية مهمة جدا اندثرت أو فى طريقها للتلاشى، بل إن هذا الفريق يقول إن الحكومة ألغت الإصدارات الورقية للصحف المسائية، وتقريبا نسى الجميع هذا الموضوع، وأنهم سوف ينسون موضوع المجلات قريبا.
فى المقابل فإن الطرف الأول لديه حجة قوية وهى أنهم يستغربون من عدم وجود رؤية شاملة لهذا التوجه، ويقولون أيضا إن الحكومة عليها أولا أن تتعامل بصورة شفافة، وتوفر للصحافة مناخا مناسبا يتضمن بالأساس مزيدا من الحريات والمنافسة وبعدها يمكن للحكومة أن تحاسبها وإذا لم تستطع الصمود يمكن أن تغلقها.
أدرك تماما، أن الحكومة تعبت من الإنفاق المستمر على وسائل إعلام لم تعد تحقق الحد الأدنى من تغطية تكاليفها، لكن من المهم ألا يتم محاسبة وسائل الإعلام باعتبارها محلات بقالة.
الصورة الشاملة تقول إننا ندفع الآن ثمن قصة مرحلة فساد طويلة فى معظم المؤسسات الصحفية المصرية خصوصا فى عصر مبارك، كان أبرز مظاهرها غياب المحاسبة والمراقبة وهدر المال العام والتوسع فى التعيينات وعدم تسديد مستحقات الضرائب والتأمينات والكهرباء والمياه والغاز والتليفونات، فى مقابل أن تقوم هذه الوسائل بدعم الحكومة إعلاميا طوال الوقت.
النقطة المهمة أن النقاش الجدلى ينبغى أن يتوقف، وأن نفكر جميعا فى حلول تناسب العصر. ظنى أنه ومع كل التقدير لأسماء المطبوعات ودورها فى الماضى، فلا ينبغى أن نتركها تصدر ورقيا فقط لمجرد الاسم، لأن القضية الكبرى أن الناس لم تعد تشتريها، وبالتالى علينا أن نسأل لماذا حدث ذلك، هل بسبب غياب الحريات أو ضعف المحتوى أو ضعف المحررين.
وبما أن هذه سياسة تطبقها الدولة بالتدريج فعلينا أن نفكر فى حلول، وهنا أقترح على الهيئة الوطنية للصحافة أن تطرح بعض هذه المطبوعات التى توقف إصدارها الورقى، على المستثمرين، خصوصا أن الدولة بدأت تتحدث كثيرا هذه الأيام عن دعم القطاع الخاص.
مثل هذا الاقتراح سوف يريح الحكومة من الأعباء المالية لهذه المطبوعات، وسيعطى فرصة للمحررين أن يثبوا أنهم قادرون على إعادة تعويم هذه المطبوعات وإذا فشلت فلن يستطيع وقتها أحد أن يتحدث عنها مرة ثانية.
لكن هذا الاقتراح يحتاج ضمانة أساسية وهى أن تسمح الدولة بمزيد من الحريات لوسائل الإعلام حتى تستطيع أن تنوع محتواها وتتنافس، وإذا حدث ذلك، فسوف يكون فى مصلحة الجميع النظام والحكومة والصحافة والمجتمع بأكمله.