بقلم: عماد الدين حسين
هل يمكن أن نحقق أى نجاح فى مواجهة الزيادة السكانية من دون الوصول إلى الجمهور المستهدف أى المتمسكين والمصرين على كثرة الإنجاب، وإقناعهم بتنظيم أسرهم؟!
الإجابة الحاسمة القاطعة هى لا وألف لا، وبالتالى فإن الهدف الأول ــ أو ضربة البداية بلغة الكرة ــ هو أن نصل إلى الفئات التى لا تزال مقتنعة بأن «الخلفة الكثيرة عزوة»، أو أنها أحد أركان الدين الإسلامى، حاشا لله.
الفكرة السابقة خطرت فى ذهنى خلال حضورى وقائع إطلاق الرئيس عبدالفتاح السيسى للمشروع القومى لتنمية الأسرة المصرية قبل نحو شهر، ثم فى الأيام الماضية خلال مناقشة مجلس الشيوخ تقريرا مهما أعدته اللجنة المشتركة مـن لجنة الصحة والسكان برئاسة الدكتور محمد جزر، ومكتب لجنة حقوق الإنسان والتضامن الاجتماعى عن الدراسة المقدمة من النائبة سهير عبدالسلام بشأن «مشـكلة الزيـادة السـكانية فى مصر... الحلول والمقترحات التى تدور حولها». وهى دراسة مهمة جدا وتتضمن العديد من الحلول العملية للقضية.
عدد كبير من كبار المسئولين والوزراء والخبراء والنواب والإعلاميين يتحدثون ويقولون كلاما صحيحا وجيدا وبعضه مصحوب ببيانات وأرقام وإنفوجرافات ملونة وجميلة، لكن ما لفت نظرى أن أول تعليق للرئيس السيسى يومها هو ضرورة الحديث بلغة يفهمها الجميع فى هذا الموضوع الحيوى جدا.
مرة أخرى ما هى قيمة أن نقول أفضل كلام وحديث وتصريحات وتوصيفات وتحليلات المشكلة السكانية، إذا كان هذا الكلام لم ولن يصل إلى الجمهور المستهدف؟!
فى معاهد وكليات الإعلام فإن من بديهيات العمل الإعلامى الصحيح أن هناك مرسلا ومستقبلا ورسالة. وإذا لم تصل الرسالة إلى المتلقى الصحيح وفى التوقيت الصحيح، وتم نقلها بدقة وجاذبية، فإنها بلا قيمة.
وبالتالى أتصور أنه ينبغى ونحن نبدأ جولة جديدة فى مواجهة الزيادة السكانية، أن يجلس الخبراء والمختصون وكبار المسئولين ويحددوا بدقة كيفية الوصول إلى الجمهور المستهدف.
سيقول البعض أن الدور الرئيسى ينبغى أن تلعبه وسائل الإعلام، لكى تنقل هذه الرسالة المهمة بضرورة تنظيم الأسرة، وهو كلام منطقى جدا، لكنْ هناك سؤال أكثر منطقية وهو: أليس هناك احتمال كبير بأن هذا الجمهور المستهدف لا يتابع وسائل الإعلام التقليدية من الأساس؟! وبالتالى نسأل السؤال المنطقى الآخر وهو: هل لدينا أصلا دراسات وإحصائيات وبيانات واستطلاعات رأى علمية وميدانية جادة عن طبيعة هذا الجمهور المستهدف؟ بمعنى هل نعرف عدد هؤلاء وأين يقيمون وما هى ثقافتهم وطبيعة البيئة التى يعيشون فيها، وأى نوع من الإعلام يتابعونه، هل يشاهدون الفضائيات التقليدية، أم الصحف الورقية، أم المواقع الإلكترونية أو خليطا من هذا وذاك، أو لا يشاهدون أيا من الوسائل السابقة؟!
إذا كان لدينا إجابات لهذه الأسئلة يمكننا أن نعمم الرسالة الإعلامية بصورة صحيحة ووقتها سوف نختار الوسيلة الإعلامية المناسبة وبالتالى نرسل الرسالة إلى من يهمه الأمر وبعدها ستكون فرص وصولها بالشكل الصحيح والمؤثر كبيرة جدا.
لدى مجرد اعتقاد لا تسنده دراسات وقياسات علمية بأن معظم الجمهور الذى لا يزال يؤمن بالزواج المبكر وإنجاب أكبر عدد من الأطفال موجود فى الريف والمناطق الشعبية، وإذا صح هذا الاعتقاد على سبيل المثال، فعلينا أن نركز جهودنا الشاملة فى هذه المناطق من أول الرسائل الإعلامية الصحيحة، نهاية بالخدمات الصحية مرورا بالوسائل الدينية والدعم والحوافز الاقتصادية، حتى نضمن أن تصل الرسالة الإعلامية بصورة واضحة وتحقق الهدف منها.
أما إذا اكتشفنا أن هذا الجمهور لا يتابع وسائل الإعلام التقليدية، فالمفترض أن نبحث عن الوسائل الصحيحة لكى نصل إليه، ونقنعه بضرورة تنظيم الأسرة لمصلحته ومصلحة أولاده وكل المجتمع.
أما إذا اكتفينا بمجرد عقد ندوات أو مؤتمرات وتحدث فيها أعظم وافضل الخبراء والمسئولين، من دون أن نستطيع الوصول للجمهور المستهدف وإقناعه فسوف نظل ندور فى حلقة مفرغة، ونترحم على أيام «حسنين ومحمدين»، أو نتهم الشعب بأنه هو سبب المشكلة وحده.