بقلم: عماد الدين حسين
هل أثر فيروس كورونا على الحريات والديمقراطية فى العالم؟!
سؤال يبدو غريبا، وقد يندهش البعض ويسأل: وما هى علاقة كورونا بالحريات والديمقراطية؟!
الاندهاش فى محله، لكن للأسف اتضح أن هناك علاقة وثيقة بين العنصرين، والنتيجة العامة التى يمكن استخلاصها أن العديد من دول العالم بما فيها بلدان تعتبر من رواد الحريات والديمقراطية خصوصا فى الغرب، قد تراجعت فيها حرية التعبير والديمقراطية بسبب كورونا وتداعياتها المختلفة.
الاستنتاج السابق ليس من اختراعى، لكن منظمة فريدوم هاوس الأمريكية غير الحكومية، تعد كل عام جدولا عن حالة الديمقراطية فى كل بلد. وفى تقريرها هذا العام الذى نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» يوم الخميس قبل الماضى، اتضخ أن هناك تراجعا للديمقراطية فى ٨٠ بلدا بدءا من أكتوبر ٢٠٢٠، حينما بدأت إرهاصات الجائحة فى الانتشار وحتى الآن.
بالطبع القيود تختلف من بلد إلى بلد حسب درجة تقدمه وحرياته وقوة مؤسساته ورأيه العام، واقتصاده.
التقرير يشير مثلا إلى ما حدث فى فرنسا نهاية عام ٢٠٢٠ حينما قال الرئيس إيمانويل ماكرون: «اعتدنا مع الوقت على أن نكون مجتمعا من الأفراد الأحرار، ونحن أمة من المواطنين المتضامنين، وبالتالى علينا تحمل مسئولية الانتقال إلى مجتمع دائم اليقظة».
هذه الآراء التى أدلى بها ماكرون زعيم واحدة من أبرز الدول الديمقراطية فى العالم توضح إلى أى مدى ساهمت تداعيات كورورنا فى تقبل فرض قيود واسعة على الحريات. الجائحة اضطرت العديد من الدول بما فيها الديمقراطية جدا إلى فرض العديد من القيود على حريات الأفراد، خصوصا فى عمليات الإغلاق وحظر التجول، مما أجبر سكانها على البقاء فى منازلهم بصورة كاملة أو جزئية، مثلما حدث فى إيطاليا مثلا والعديد من الدول الأوروبية.
حق التنقل تم تقييده، وكذلك إجبار المواطنين على ارتداء الكمامة أو ضرورة الحصول على اللقاحات كشرط للذهاب إلى العمل أو السفر.
أستراليا والصين تبنتا استراتيجية «صفر كورونا»، وبالتالى لجأت إلى عمليات إغلاق صارمة وحجر صحى مشدد، فى حين أن دولة مثل السويد استجابت لرغبات جانب كبير من سكانها وفرضت إجراءات إغلاق أقل صرامة، لكنها سجلت معدلات إصابات ووفيات أعلى من الدول الاسكندنافية المجاورة.
السكان استجابوا للقيود والإغلاق فى بدايات الجائحة خوفا على حياتهم، لكن ومع مرور الوقت بدأ هذا الالتزام يضعف، ورأينا احتجاجات ومظاهرات واسعة فى بلدان مثل فرنسا وهولندا، وفى ألمانيا فإن الحزب الديمقراطى الحر الذى كان متراجعا فى استطلاعات الرأى عند بداية الوباء، حصل على نتيجة جيدة فى الانتخابات التشريعية فى الخريف الماضى وحصل على المركز الثالث والعامل الأساسى فى ذلك أنه روج للدفاع عن الحريات العامة ضد فرض القيود.
لكن الذى حدث فى العديد من بلدان العالم الثالث، كان أشد وطأة، فدولة مثل سريلانكا مثلا عاقبت سلطاتها أى انتقاد للخطاب الرسمى حول الوباء، بل إنها استغلت ظروف الوباء لمهاجمة الأقلية المسلمة تحت مبررات صحية.
كما أن دولة مثل إثيوبيا أجلت الانتخابات لشهور طويلة بحجة صعوبة إجراءاتها فى ظل كورونا، ثم أجرتها فى نفس الظروف بعد أن فرضت قيودا كثيرة على المعارضة الجذرية، وشنت هجوما شديدا على إقليم التيجراى.
التراجع فى الحريات فى البلدان ذات التاريخ العريق فى الديمقراطية أقل بكثير بالطبع مما حدث فى العالم الثالث. القيود فى بريطانيا وسويسرا كانت أقل شدة، لأنه يصعب فرض قيود وقرارات سياسية بشكل أحادى الجانب، وهو الأمر نفسه فى البلدان الفيدرالية أو فى البلدان التى تحكمها ائتلافات سياسية مثل ألمانيا.
الخبر المؤسف الذى توصلت إليه «فيريدوم هاوس» أن هذا التراجع فى حالة الديمقراطية والحريات، سوف يستمر، حتى لو انتهت الجائحة أو خفت حدثها كثيرا، والسبب أنه سيكون من الصعب التراجع عن القوانين والقواعد المطبقة، كما أن الفيروس سرع ميلا استبداديا كان قد بدأ فى بعض البلدان.
سيقول قائل فلينتهى الوباء أولا ونعود إلى حياتنا العادية كما كانت قبل كورونا، ووقتها «يحلها الحلال» وسيقول آخر: «ليس الأمر كذلك وعلينا المطالبة بالمزيد من الحريات والديمقراطية لأنها الطريق الرئيسى للإصلاح والتقدم والمحاسبة والشفافية ومحاربة الفساد.