بقلم: عماد الدين حسين
مساء الخميس الماضى، كنت أتحدث مع صديق عزيز وهو فى نفس الوقت خبير اقتصادى بارز، ومستثمر ناجح عن الأزمات الاقتصادية وموجة التضخم العاتية التى تضرب العالم لأسباب مختلفة.
سألته عن رؤيته لكيفية تجنب مصر أكبر قدر من الأضرار من جراء هذه الأزمة العالمية.
قال لى: لن أقول لك كلاما مكررا، ولكن سأرسل لك فيديو، وبعدها ستعرف مقصدى.
أرسل لى الفيديو بالفعل، وكان عنوانه «الدول الأكثر تصديرا» منذ عام ١٩٧٠ وحتى الآن.
مضمون الفيديو يقول إنه فى عام ١٩٧٠ كان ترتيب الدول الأكثر تصديرا هو: الولايات المتحدة، ثم ألمانيا، وبريطانيا، وفرنسا، واليابان، وكندا، وإيطاليا، وهولندا، وبلجيكا، وسويسرا، والسويد، وأستراليا، وإسبانيا.
وحتى عام ١٩٧٥ انضمت إلى هذه القائمة السعودية وإيران بفعل ارتفاع أسعار النفط بعد حرب أكتوبر المجيدة عام ١٩٧٣.
وفى عام ١٩٨٥ دخلت هونج كونج القائمة وفى عام ١٩٨٨ كان أول ظهور لكوريا الجنوبية فى قائمة الدول الـ١٥ الأكثر تصديرا فى العالم، ثم انضمت روسيا عام ١٩٩٢ وبعدها سنغافورة عام ١٩٩٤.
أما أول ظهور للصين فى هذه القائمة فكان عام ١٩٩٥، وخلال ثلاثة أعوام فقط تقدمت أكثر من مركز لتصل إلى المركز التاسع وفى عام ٢٠٠١ صارت فى المركز الثامن وبعد عامين صارت فى المركز السادس، وفى العام الذى يليه صارت فى المركز الرابع ثم الثالث واستمرت فى هذا المركز حتى صارت فى المركز الثانى عام ٢٠٠٩ خلف الولايات المتحدة.
وابتداء من عام ٢٠١٢، قفزت إلى المركز الأول وخلفها الولايات المتحدة ثم ألمانيا واليابان وبريطانيا وفرنسا وكوريا الجنوبية.
وفى عام ٢٠١٩ صار ترتيب الدول الأكثر تصديرا هو كالتالى: الصين بنحو ٢٤٩٨ مليار دولار أى نحو 2.5 تريليون دولار، ثم أمريكا بـ١٦٤٥ مليار دولار، وألمانيا بـ١٤٨٦ مليارا، ثم هولندا بـ٧٢١ مليارا، واليابان بـ٧٠٠ مليار، وفرنسا بـ٥٥٥ مليارا، وكوريا الجنوبية بـ٥٤٢ مليارا، وإيطاليا بـ٥٤١ مليارا، وهونج كونج بـ٥٣٥ مليار دولار، والمكسيك بـ٤٧٢ مليارا، وبريطانيا بـ٤٦٧ مليارا، وبلجيكا بـ٤٥١ مليارا، وأخيرا كندا بـ٤٤٦ مليار دولار.
حينما شاهدت هذا الفيديو ورجعت لمكالمة هذا الخبير الاقتصادى المرموق قال لى: الحل لكل مشاكلنا أن ننضم إلى هذا النادى الذى يضم الدول الأكثر تصديرا.
وبالطبع فالانضمام إلى مثل هذا النادى لا يتم بالدعاء أو التمنى أو التصريحات، بل بسياسات واضحة وتشريعات مشجعة، وبيئة عمل مساعدة، ومجتمع متفتح، وعمالة مدربة ومؤهلة.
مثل هذا الأمر لن يتم بين يوم وليلة، ولكن عبر تراكم طويل، والمهم أن نبدأ إذا كنا جادين فعلا فى التنمية والتقدم.
هذا الخبير الكبير، قال لى إن صورة الاستعمار القديم الذى يحتل البلاد بالدبابات والطائرات والمشاة والأساطيل والجيوش، انتهت إلى حد كبير باستثناءات قليلة، لكن الاستعمار الحديث هو بالإنتاج والتصدير، وصرنا نرى الآن دولا كبرى تغرق دولا أخرى بالقروض السهلة، وحينما تفشل الأخيرة فى السداد يكون الاحتلال الاقتصادى الذى لا يشعر به كثيرون. وصرنا نرى دولا أخرى تؤثر فى سياسات دول ثالثة عبر المنح والمساعدات والقروض والودائع.
الأمر ليس سهلا أن نتقدم ونكون بين الكبار، لكنه ليس مستحيلا. هو يحتاج إلى تعليم نوعى متقدم يوفر خريجين مختلفين يجيدون التعامل مع لغة العصر ومتطلباته ووظائفه والتقدم التكنولوجى المذهل الذى يتضاعف بسرعة جنونية.
نريد كفاءات إدارية مختلفة ومجتمعا ينشغل بالمستقبل وليس بالماضى ومعاركه العبثية.
نريد تشجيع القطاع الخاص الوطنى والمنتج والذى يوفر فرص عمل لأكبر عدد من الناس وأن ندعم أى مستثمر ومنتج جاد يقوم بالتصدير للخارج، وليس أولئك الذين يتحدثون كثيرا ولا ينتجون إلا القليل.
نريد أن تثق الحكومة فى المجتمع والناس بصورة أكثر وأن تثق أن بناء الإنسان ودعمه هو الطريق الأساسى للتقدم والتنمية وكل شىء.
والحديث موصول..