بقلم: عماد الدين حسين
فى السادسة من مساء يوم الجمعة الماضى، كنت عائدا من مقر جريدة «الشروق» فى الدقى فى طريقى إلى منزلى قرب السيدة زينب مشيا على الأقدام.
فى شارع التحرير وفى مواجهة دار الأوبرا، أحضر رجل بطانية ومخدة ووضعهما على محطة الأتوبيس الملاصقة لحديقة الحرية، وحولها إلى حجرة نوم، غير مكترث بأى شىء.
ما فعله هذا الرجل ليس مجرد ظاهرة فردية لرجل ربما يكون نصابا ومتسولا، وربما يكون مشردا بالفعل وضافت به السبل، لكنه صار أسلوب حياة فى العديد من الشوارع الكبرى والرئيسية، والتى تقع بجوار معالم رئيسية، بل يمكن القول إنها واجهة القاهرة.
فى هذا المسافة الواصلة من محطة مترو البحوث بالدقى إلى محطة مترو سعد زغلول بالمنيرة، أمر كثيرا سيرا على الأقدام، وبالتالى يتسنى لى التأمل فى أحوال الشارع. واكتشفت أن نموذج الرجل السابق يتكرر فى العديد من الشوارع.
فى شارع قصر العينى أكثر من نموذج، الأول رجل يفترش الشارع فى الجزء المتقاطع مع شارع حسين حجازى الذى يقع به مجلس الوزراء.
وفى نفس الشارع رجل آخر يفترش رصيف وزارة التعليم العالى وأكاديمية البحث العلمى بجوار مسرح السلام.
وقبالة مجلس الشيوخ فى الجزء الموجود أمام البنك الزراعى هناك سيدة شبه مقيمة فى هذا الحيز، وإذا أكملت فى اتجاه ميدان التحرير، سوف تكتشف وجود أكثر من سيدة تفرش أمام المجمع تبيع الخضار والبيض والجبنة القديمة، وبجوارها رجل يفرش لمدة خمس أو ست ساعات ليبيع ملابس، وبجواره رجل آخر يبيع خردوات متنوعة.
وفى مرات كثيرة هناك رجال متنوعون يفترشون كوبرى قصر النيل أو الجلاء، وأحيانا ميدان الدقى.
وحينما تتجاوز كوبرى قصر النيل ومدخل فندق سميراميس، ستجد سيدة تبيع الترمس تجلس أمام مقر مبنى وزارة الخارجية القديم فى مواجهة جامعة الدول العربية. الغريب أننى فى كل مرة أرى هذه السيدة نائمة بصورة دراماتيكية، ولا أعرف هل هى صدفة أن تكون نائمة فى كل الأوقات؟!
هذه مجرد نماذج أراها رَأْىَ العين بصفة دائمة، وليست مجرد حالات استثنائية.
وأظن أن هذه الظاهرة يمكن القياس عليها فى العديد من أحياء وشوراع وميادين القاهرة الكبرى وبعض عواصم المحافظات.
السؤال الجوهرى لماذا نترك هذه النماذج تفترش الشوارع وتسىء إلى المظهر العام، خصوصا أنها أماكن يمر بها العديد من السائحين أو الزوار والمسئولين الأجانب؟!
وقبل الإجابة أرجو ألا يتطوع البعض ليقول: «حرام عليك، هؤلاء مساكين وغلابة ومشردين ولا يجدون مكانا ينامون فيه»!
والسبب أننا لو طبقنا هذا المنطق فالمؤكد أن لدينا مئات الآلاف من المشردين، وبالتالى سيحق لهم جميعا افتراش الشوارع والميادين الرئيسية.
أعود للسؤال مرة أخرى وأكرر: أليس هناك جهة رسمية مهمتها منع هذه النماذج من افتراش الشوارع بهذه الطريقة المهينة والمسيئة لبلدنا وأهلنا؟
أتذكر أن وزارة التضامن الاجتماعى قامت قبل سنوات بجمع هؤلاء وتحويلهم إلى دور الإيواء والمسنين، لكنهم عادوا مرة أخرى. ومن الواضح أن جزءا كبيرا من هذه الظاهرة تسول خصوصا فى الشوارع والميادين الرئيسية.
لن أتحدث عن بائعى وبائعات الورود بالقوة الجبرية فى ميدان التحرير وعلى جسر قصر النيل، ولن أتحدث عن المتسولين العابرين الذين يتفنون فى تسج حكايات خيالية، ولن أتحدث عن بعض عمال هيئة النظافة الذين تحولوا إلى متسولين رسميين، لكن أكتفى اليوم بالحديث عن أولئك الذين ينامون فى الشوارع والميادين جهارا نهارا وأمام أعين الجميع مواطنين ومسئولين.
سؤالى مرة أخرى: لماذا يتم السماح لهم بذلك وهل يدفعون جزءا من تسولهم وتجارتهم لآخرين؟!
هذا أمر مسىء لمصر ولصورتها ولا ينبغى أن نسمح به، وعلى الجهات المسئولة عن هذه الظاهرة أن تتحرك وتؤدى دورها.