بقلم: عماد الدين حسين
إذا كنت موجودا فى غرفة أو بيت ولا تستطيع أن تخرج منه فأنت فى سجن، حتى لو كان هذا المكان أفضل جناح فى فندق أو حتى فيلا أو قصر منيف.
شىء من هذا الشعور مع الفارق شعرت به، وأنا محجوز فى جناح بفندق فخم بمدينة الشارقة.
فى السادسة من مساء يوم الإثنين الماضى الرابع والعشرين من يناير، وصلت إلى مطار دبى فى طريقى لإمارة الشارقة بدعوة كريمة من المكتب الإعلامى لحكومة الشارقة لحضور العرض الافتتاحى لـ«سرد المكان» وهو عرض فنى يجمع الشعر والمسرح والموسيقى للاحتفاء بالشارقة من خلال مشاهد تحكى قصص الأولين وعاداتهم وتقاليدهم ومقاومتهم للاستعمار، إضافة للمنجزات الحضارية والثقافية التى قدمتها هذه الإمارة للعالم.
بالطبع قبل السفر بـ٤٨ ساعة عملت مسحة كورونا أو PCR فى أحد المختبرات المعروفة، والحمد لله كانت النتيجة سلبية، وقبل السفر بيوم واحد عملت مسحة أخرى فى أكاديمية الشرطة قبل الدخول للاحتفال بعيد الشرطة، وكانت أيضا سلبية. وحينما وصلت مطار دبى عملوا لى مسحة أخرى كما هو معتاد، وقالوا لى ان نتيجتها ستصل إلى هاتفك بعد عدة ساعات وكنت مطمئنا أن النتيجة ستكون سلبية لانه لا يوجد شىء يدعو للقلق، خصوصا أننى حريص على ارتداء الكمامة طوال الوقت.
وصلت إلى الفندق فى الشارقة، وبعد نحو ست ساعات فوجئت برسالة طويلة من الشركة الطبية التى أجرت لى المسحة خلاصتها أن النتيجة إيجابية، وأنه ينبغى على أن أعزل نفسى تماما طبقا للإجراءات المتبعة فى الإمارات.
أخبرت زملائى فى الزيارة وهم الأساتذة الأصدقاء أكرم القصاص وماجد منير وهالة سرحان وانضم إلينا لاحقا الفنان أشرف زكى، كما أخبرت أصحاب الدعوة فطلبوا منى بكل أدب ألا أغادر حجرة الفندق، وبعد دقائق تواصلت معى إدارة الفندق، وأبلغتنى بكل لطف ألا أغادر غرفتى لأننى صرت معزولا، وأنه سيتم وضع المأكولات والمشروبات والمفروشات على باب الغرفة، لأن عمال وموظفى الفندق غير مسموح لهم بالدخول لأى غرفة بها مصاب كورونا.
سلمت أمرى إلى الله، وحاولت التكيف مع الوضع الجديد، ثم سرح خيالى فى تخيل نفسية السجين، وكم هو شعور صعب، حتى لو كان سجنك فندقا متميزا فى خدماته.
ما حيرنى أن كورونا التى مررت بها فى شهر مارس من العام الماضى تختلف عن هذه الحالة الأخيرة بصورة كاملة، وسأحاول أن أشرح الفرق بينهما من دون الادعاء أنها حقائق علمية، بل مجرد رصد لما شعرت به.
إصابة كورونا الأولى كانت شديدة القسوة وعشت عشرة أيام على سرير فى مستشفى به أحدث الأجهزة وأمهر وأفضل الأطباء والمديرين.
يومها انقطع نفسى حرفيا، والأكسجين هبط فى بعض اللحظات إلى أقل من ٨٥٪، والرئتان تعرضتنا لخطر داهم استلزم استخدام الكورتيزون، مما ترك آثارا على بعض الوظائف الحيوية لبعض الوقت. فى المرة الأولى أيضا كان هناك استخدام للعديد من الأدوية والمضادات الحيوية وسحب عينات دم أكثر من مرة يوميا وقياس دائم للضغط والسكر ودرجة الحرارة، إضافة إلى توصيلى بجهاز يقيس نسبة الأكسجين، ووجود خرطوم الأكسجين فى أنفى معظم الوقت، حتى حينما كنت أذهب إلى دورة المياه الملحقة بالغرفة.
فى الإصابة الأخيرة كان الوضع مختلفا طوال الوقت، كانت الأعراض تقترب تماما مع أعراض الإصابة بدور إنفلونزا من متوسط إلى شديد. عطس قليل ورشح كثير، وحتى درجة الحرارة لم ترتفع بصورة مقلقة، والأهم أن التنفس كان معقولا معظم الوقت. والأدوية لم تزد عن البنادول والزنك والفيتامينات، مع المشروبات الساخنة.
فى الإصابة الأولى استغرق الأمر نحو شهر حتى الوصول لمرحلة التعافى، وفى المرة الثانية كانت المدة ثلاثة أيام حيث إن المسحة التى أجريتها صباح الخميس ظهرت نتيجتها سلبية مساء اليوم نفسه.
الكثير من الذين أصيبوا بالنوع الأخير من كورونا «أوميكرون» يقولون إنه سريع الانتشار، لكنه أيضا أقرب إلى دور البرد. أتمنى أن يكون هذا الكلام صحيحا، وينتهى هذا الفيروس الذى قلب حياة العالم رأسا على عقب، أو على الأقل يتحول إلى دور برد موسمى يتم علاجه بأدوية بسيطة، وتعود الحياة إلى سيرتها الأولى التى كانت عليها قبل ظهور الفيروس فى أوائل العام قبل الماضى.