صباح الإثنين الماضى كان هناك طلب مناقشة مهم داخل الجلسة العامة لمجلس الشيوخ بشأن استيضاح «سياسة الحكومة لاستعادة واستدامة الوعى الوطنى فى نطاق عمل كل من وزارتى الشباب والرياضة والأوقاف»، قدمه النائب طارق نصير وأكثر من عشرين عضوا.
من سوء حظى أننى لم أتمكن من الحديث فى هذه الجلسة لأننى طلبت الكلمة متأخرا، كما أن غالبية الأعضاء كانوا يريدون الحديث.
فى هذه الجلسة كان هناك كلام مهم وتشخيص دقيق للقضية. وتحدث الدكتور أشرف صبحى وزير الشباب والرياضة والدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف وعرضا دور وجهود وزارتهيما فى هذه القضية وهى جهود كبيرة ومقدرة. لكن وكما قال بعض النواب فإن قضية الوعى لا تخص فقط وزارتى الشباب والأوقاف، بل تخص كل وزارات وهيئات ومؤسسات المجتمع بأكمله.
فى تقديرى أنه قبل الوصف والتشخيص والشرح، لابد أن نعرف على أية أرضية نقف، ونسأل أنفسنا بصراحة: هل لدينا دراسات علمية وإحصائية دقيقة وصحيحة عن حجم الوعى بين الشباب حتى يمكننا أن نفرح بالإنجازات، أو نكتشف الثغرات فنعالجها؟!
أغلب الظن أن معظمنا يتحدث عن انطباعات عامة، وليس حقائق راسخة على الأرض.
من دون وجود هذه البيانات الدقيقة أو حتى التقريبية، فإن كل ما نفعله سيظل فى خانة النوايا الطيبة، وبالتالى ومهما كان كبيرا، فقد لا يأتى بالنتائج المرجوة.
القضية الثانية من الذى يفترض أن يتولى قيادة عملية رفع الوعى فى أية وزارة أو هيئة أو مجتمع مدنى؟
وهل نحن على علم بأن هؤلاء مؤهلون فعلا لرفع وعى المواطنين، أم أن بعضهم يحتاج إلى رفع وعيه أيضا؟!
أطرح ذلك لأننا أحيانا نجد ندوات ومؤتمرات وفاعليات عبارة عن كلمات مكتوبة ببرود. وبعضها مسروق من الإنترنت، من دون حماس أو فهم أو ربط للنظرى بالواقع، وبالتالى فهى بلا روح ولا تصل للمواطنين المستهدفين برفع الوعى.
القضية الثالثة، إن كثيرين يعتقدون أن وسائل الإعلام هى المسئولة الوحيدة عن رفع الوعى، رغم أن وظيفتها الأساسية هى نقل الأخبار والترفيه، هى تنقل الواقع ولا تخلقه، وإذا كان المجتمع يقظا وحيويا ونشيطا فإن الإعلام سوف ينقل ذلك للناس.
ثم إن غالبية وسائل الإعلام تواجه هموما ومشاكل كثيرة خصوصا فى الجانب الاقتصادى، وبالتالى فإن استمرار هذه المشكلات وعدم حلها قد يزيد من عملية رفع الوعى تعقيدا.
ويرتبط بذلك أن غالبية الشباب صاروا يستخدمون الإعلام الرقمى ووسائل التواصل الاجتماعى الجديدة، وبالتالى فإن عدم وجود كوادر مدربة لمخاطبة الناس عبر هذه الوسائل الجديدة، والوصول إليهم وإقناعهم، ، فسيبدو الأمر وكأننا نحرث فى الماء.
ولذلك هناك ضرورة لوجود خبراء ومتخصصين فى كيفية مخاطبة الناس بالطريقة التى يفهمونها.
عموما أتمنى أن يقود المستشار عبدالوهاب عبدالرازق رئيس مجلس الشيوخ عملية دائمة ومنظمة لمعالجة قضية الوعى وهنا أقترح:
أولا: ضرورة وجود هيئة قومية لها صلاحيات واسعة نتولى هذه العملية، لأن إحدى المشكلات أن قضية الوعى يتحدث فيها الجميع، من دون اختصاصات أو صلاحيات، مما يجعل الجهد مهدورا. هذه الهيئة تكون إحدى مهماتها التنسيق بين كل المؤسسات والهيئات والوزارات ذات الصلة بالوعى.
أتمنى أن نتوقف قليلا عن الشرح والتوصيف والتشخيص وننتقل إلى وضع حلول عملية قابلة للقياس والمحاسبة والمساءلة، لأن دروس الأحداث الجارية فى العالم توضح لنا خطورة غياب الوعى عن مواطنى بعض الدول.
نشاهد الآن أن جانبا كبيرا من الصراع بين روسيا والغرب فى أوكرانيا يدور بشأن الوعى، ولذلك يتم استهداف بعض من أدوات الوعى الأساسية.
فى هذا الصدد علينا أن نلاحظ أن وسائل التواصل الاجتماعى أوقفت وسائل الإعلام الروسية من البث غيرها، وفى المقابل أوقفت موسكو بث هذه الشبكات والتطبيقات على أرضها.
الإشاعات والأكاذيب والأخبار المضروبة وكافة أنواع التضليل صارت أسلحة فتاكة فى الحروب الحديثة، وفى بعض الأحيان فإنها تغنى عن استخدام الأسلحة الفعلية وتسقط مجتمعات من دون رصاصة واحدة.
فهل نتنبه حتى لا نقول: «ليتنا فعلنا»؟!